لقد إنتقل الدكتور زاهر إحدادن إلى رحمة الله صبيحة يوم السبت 20 يناير 2018 بالمستشفى العسكري عين نعجة (الجزائر العاصمة).
ودفن يوم الأحد بمقبرة العالية طيّب الله ثراه.
بطاقة التعريف:
الدكتور إحدادن هو من مواليد بلدية سيدي عيش ببجاية في عام 1929، وتربى في عائلة مكوّنة من الأعيان والعلماء والقضاة. التحق بمدينة قسنطينة للتحصيل العلمي في المدرسة العربية الإسلامية الرسمية المعروفة، ثم انتقل إلى الجزائر للدراسة في المعهد العالي للدراسات الإسلامية.
ولم يتردد الطالب المجد في التوقف عن الدراسة من أجل الالتحاق بالثورة التحريرية في مكتبها في تطوان بالمغرب ثم تونس، والمساهمة في الإشراف على إصدار جريدة “المجاهد” لسان حال جبهة التحرير الوطني.
وساهم الأستاذ إحدادن بعد استرجاع الاستقلال في تأسيس المدرسة الوطنية للصحافة، وأشرف على إدارة شؤونها. كما عمل أستاذا لعلوم الإعلام بجامعة الجزائر، وتخرج عليه نخبة من الأساتذة والإعلاميين.
وفي عام 1963 ساهم مع ثلة من العلماء والمثقفين الجزائريين وعلى رأسهم الأستاذ الهاشمي تيجاني في تأسيس جمعية القيّم وإصدار مجلتها “التهذيب الإسلامي” بطبعتين العربية والفرنسية.
وفي العام الماضي عيّن عضوا في مجلس سلطة السمعي البصري.
رائد كتابة تاريخ الصحافة الجزائرية:
لاشك أن الدكتور إحدادن يعتبر من رواد كتابة تاريخ الصحافة في الجزائر، ولا غرابة في ذلك، وهو واحد من مؤسسي جريدة “المجاهد” كما ذكرت أعلاه، وواحد من ألمع الصحافيين خلال الثورة الجزائرية.
لذلك أعد رسالة الدكتوراه حول موضوع “الصحافة الأهلية في الجزائر من بدايتها إلى عام 1930″، وناقشها في جامعة باريس 2 في عام 1978.
وقد نشرتها المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع في عام 1983.
وأعاد طبعها عدة مرات. وألف أيضا كتابا عرف فيه “أعلام الصحافة الجزائرية” في عدة أجزاء أمثال:
عمر بن قدور، وعمر راسم، وإبراهيم أبو اليقظان، ومحمود كحول، وصادق دندن، والمولود الحافظي…الخ.
وقد اعترفت عدة مؤسسات علمية بجهوده في هذا المجال، فكرمته بمنحه شهادات التقدير والعرفان، وأذكر هنا بالخصوص المجلس الإسلامي الأعلى الذي كرّمه في 26 جوان 2011، وجامعة مستغانم التي احتفت بجهوده في 10 مارس 2015.
في الحراك الثقافي والعلمي:
لقد ساهم زاهر إحدادن في الحياة الثقافية بإلقاء المحاضرات والمشاركة في الندوات والملتقيات التاريخية في الجزائر وفرنسا. وأذكر هنا على سبيل المثال مشاركته في الملتقى الدولي المنعقد في جامعة السوربون في 26-27 مارس 1996 حول موضوع: “حرب الجزائر والجزائريون”، وقدم محاضرة عنوانها: “دعاية جبهة التحرير الوطني خلال حرب التحرير”.
وأذكر كذلك مشاركته في الملتقى الدولي المنعقد في جامعة مونبلييه في 5-6 ماي 2000 حول موضوع: “العسكر وحرب العصابات خلال حرب الجزائر”.
وقدم خلاله الأستاذ إحدادن ورقة عنوانها: ” التضليل الإعلامي خلال حرب التحرير”.
وتتمثل خلاصة محاضرته في التركيز على ثلاث نقاط أساسية، وهي: التلاعب بالرأي العام الداخلي الفرنسي تجاه الثورة الجزائرية، تزييف الحقائق عن مجزرة ملوزة، وتزوير أعداد من جريدة “المجاهد”.
لقد التقينا مرات عديدة في الندوات والملتقيات الفكرية والتاريخية، بخاصة النشاطات التي كان ينظمها المجلس الإسلامي الأعلى في عهد الدكتور الشيخ أبو عمران. وشاركنا معا في فعالياتها وفي غيرها من الملتقيات والندوات.
وأذكر هنا أيضا اليوم الدراسي الذي نظمه مركز الرؤية للدراسات الحضارية يوم 8 نوفمبر 2014 حول موضوع: “بيان أول نوفمبر 1954: الميلاد، النص والمستقبل”.
وقد شرح الأستاذ إحدادن دلالاته وحلّل أبعاده بشيء من التفصيل.
وأما آخر لقائي معه فكان في يوم 17 يناير 2017 بدار الإمام بالمحمدية حيث شاركنا في اليوم الدراسي الذي نظمته مؤسسة الأصالة حول الثقافة الأمازيغية. وساهمنا معا في أشغالها، وناقشنا مع بعض قضايا تاريخية على هامش أعمال هذه التظاهرة العلمية، وأخذنا صورة تذكارية.
كتب ومقالات:
أما في مجال الكتابة والتأليف فقد نشر مجموعة من الكتب حول تاريخ الصحافة والصحافيين ومظاهر الحضارة الإسلامية وحواضرها مثل بجاية. ولا شك أنه تأثر بأستاذه محمد الشريف ساحلي، الذي اشتغل كثيرا بالقضايا التاريخية وكتب حولها كتبا قيمة ومقالات مفيدة، ونقل هذا الحب للتاريخ إلى تلميذه النجيب إحدادن.
وكتب كذلك المقالات التاريخية والفكرية في الدوريات المتخصصة في الإعلام، وفي المجلات الثقافية مثل مجلة “الثقافة”، أو في الجرائد خاصة جريدة “المجاهد” التي كان يخصها في شهر رمضان من كل عام بمجموعة من المقالات حول الحضارة الإسلامية وقضايا إسلامية معاصرة.
وكان يشاركه في هذا العمل الفكري صديقه الأستاذ طاهر قايد. وقد جمع الدكتور إحدادن عددا من هذه المقالات فيما بعد، ونشرها في كتاب عنوانه: ” دروس حول الإسلام والمسلمين”.
لقد تفرغ الأستاذ إحدادن في السنوات الأخيرة لتأليف كتابه النفيس ” تاريخ المحرر للمغارب: الجزائر من 1512 إلى 1962″، وكذلك إصدار مذكراته التي هي الآن قيد الطبع.
ولابد أن أشير هنا إلى أنه وجد في الثمانينيات والتسعينيات القرن الماضي صعوبة في نشر كتبه، لذلك لجأ إلى إنشاء دار للنشر والتوزيع تحمل إسمه، واستطاع بفضلها نشر مجموعة من مؤلفاته التي أصبحت اليوم من مصادر البحث في الجزائر وفي الخارج.
كان الأستاذ إحدادن دائما بشوشا ومتواضعا مع الناس بغض النظر عن مكانة متحدثه الاجتماعية أو منصبه السياسي أو مبلغه من العلم.
وتلك هي حقا شيم العلماء العاملين المخلصين الذين يخلدهم التاريخ وتستمد منهم الأجيال المتعاقبة العبر وتستلهم من تجاربهم وتستنير بنبراسهم.