رحل عنّا في الأيام القليلة الماضية العلامة المجاهد الشيخ الطاهر آيت علجت؛ عالم الجزائر وبركتُها ومُسنِدُها، أحد أعلام الجزائر العظام ورئيس اللجنة الوطنية للفتوى والأهلة والمواقيت الشرعية..
يقول فيه الشيخ عمار رقبة الشرفي حفظه الله تعالى:
جمع الله تبارك وتعالى لهذا الرجل خصالاً تفرقت في غيره؛
جمع بين الدعوة والتعليم..والتعليم العام والتكوين الخاص..
والتدريس النظامي بالمدارس وحلقات العلم بالمساجد..
والصلاح والإصلاح… وجهاد التحرير وجهاد البناء والتنوير..
وبين جهاد السنان وجهاد اللسان والبيان..
والعمل الرسمي والجمعوي التطوعي..
اهتم بإعداد الرجال والتأليف بينهم..
كان رجل بأمة.. بسط الله تعالى له القبول في الأرض نسأل الله أن تكون
عاجل بشرى له في هذه الحياة..
تراهُ إذا ما جئْتَه مُتَهَلِّلا … كأنَّك تُعطيه الذي أنتَ سائلُهْ..
حسن الخلق دائم البسمة لا يرد سائلا ولا ينطبق قول الفرزدق إلا في مثله:
سهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ *** يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ
حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ، إذا افتُدِحُوا *** حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ *** لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
ولد العلامة المجاهد محمد الطاهر آيت علجت في الخامس من محرم1335هـ الموافق لـ7 فيفري 1917م ببلدية ثامقرة ولاية بجاية.
ختم القرآن وعمره لا يتجاوز (12) عامًا بمسقط رأسه بزاوية جدّه الشيخ يحي العيدلي، وبها تلقى المبادئ الأولى لعلوم الأدب واللغة العربية على يد شيخه العلامة السعيد اليجري، كما أخذ عنه الآجرومية والألفية في النحو،
والرسالة والمختصر في الفقه، وعلم الحساب والفلك والبلاغة وغيرها من الفنون.
ثمّ شدّ الرِّحال إلى زاوية الشيخ بلحملاوي بالعثمانية، قرب قسنطينة، حيث أتمّ هناك دراسته الشّرعية، من فقه ولغة ونحو وعلوم أخرى كثيرة مثل الرياضيات والتاريخ والجغرافية والفلك وغيرها، عن الشيخ العوادي والشيخ مصباح الحويدق وغيرهما.
رجع الشيخ إلى مسقط رأسه سنة 1937م، حيث تولّى التّدريس والتّعليم بزاوية سيدي أحمد بن يحيى بأمالو، وكان يقدّم فيها دروس تعليم القرآن واللغة العربية والشّرعية إلى غاية سنة 1956م حين أحرق الجيش الفرنسي الزاوية، فالتحق الشيخ مع طلبته بجيش التحرير.
سافر إلى تونس في أواخر سنة 57م بإشارة من العقيد عميروش الذي كان الشيخ يتولّى من1957م كلّفه الشهيد عميروش بالسفر إلى تونس والإشراف على النشاط التعليمي للطلاب الجزائريين هناك، فبذل الشيخ قصارى جهده
عند الاستقلال.
وفي سنة 1963م عاد إلى وطنه الأوّل، وعيّن أستاذًا بثانوية عقبة بن نافع بالجزائر العاصمة وثانوية عمارة رشيد ببن عكنون، إلى أن أحيل على التقاعد سنة 1978م.
ثمّ وبطلب من وزارة الشؤون الدينية، عاد إلى نشاطه المسجدي، ليمارس دروس الوعظ والإرشاد بمسجد حيدرة وغيره من المساجد، و بقي يعقد دروسًا في الفقه والنّحو وفن القراءات وغيرها من العلوم الشرعية بمسجد بوزريعة مكان إقامته لعشرات السنين.. تقبله الله تعالى منه جهوده وجهاده.
قضى ما يقرب من ثمانين سنة في التعليم والإقراء، فهو رجل القرآن بحقّ،أفنى حياته كلها في تعلم القرآن وتعليمه بالسند المتصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ربّ العزّة جلّ جلاله، وقد ورد في الحديث الصحيح عن عثمان -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: « خيركم مَن تعلّم القرآن وعلّمه » وإنّ زاويته ومسجده وبيته وطلابه ومشاركاته في الملتقيات القرآنية وتكريم الطلّاب الخاتمين والخاتمات، لخيرُ شاهد على ذلك.
رجل كريم الخُلق والبذل والعطاء يخدم ضيوفه بنفسه، أدرك ذلك كل من لقيه أو خالطه أو زاره، الابتسامة لا تفارق محياه، قال رسول الله ﷺ: لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلْقٍ.
رجل بسط اللهُ له القبول في الأرض، ولو لم يحبّه لما حَبَّبه إلى خلقه وجميع أبناء وطنه على اختلاف مشاربهم، وفي الحديث القدسي المتفق عليه:« إذا أحبّ الله عبدا نادى جبريلَ، فقال: إنّي أحبُّ فلانا فأحبّه، قال: فيحبُّه
جبريل، ثم ينادي في السّماء فيقول: إنّ اللّه يُحبُّ فلانا فأحبّوه، فيحبّهُ أهل السماء، قال: ثمَّ يوضع له القبول في الأرض ..»
وتلامذة الشيخ بالعشرات بل بالمئات من كل أرجاء الوطن نذكر منهم:
المفكر الجزائري العلامة الموسوعي مولود نايت بلقاسم رحمه الله.
والشيخ محمد الشريف قاهر رئيس لجنة الإفتاء في المجلس الإسلامي الأعلى،
ومحمد الطاهر بوزغوب ومحمد الطاهر زقرور وغيرهم كثير..
أطال الله عمره في طاعته، فعمَّر قرنا وستة أعوام، وبالهجري قرنا وتسعة أعوام، عامرة بسائر الطاعات والقربات، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي أنّ النبي – ﷺ- قال: « خيرُ النّاس مَن طالَ عمره وحَسُن عمله ».
توفي صابرا محتسبا ليلة الأربعاء 25 ذو القعدة 1444 للهجرة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.. الموافق لـ: 14 جوان 2023 للميلاد… بمستشفى مصطفى باشا بالجزائر العاصمة..
فاللهم اجزه عنا خير الجزاء وأكرم نزله ووسع مدخله وأعل من مقامه وألحقه مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين
وحسن أولئك رفيقا ، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.