السؤال: الأصل في الشريعة الإسلامية عدم جواز تطبيب الرجل للمرأة ، لحرمة النظر والملامسة بينهما، ويستثنى من ذلك حالات الضرورة كفقدان الطبيبة التي تعالج النساء، أو انعدام الطبيبة المتخصصة، إذا كان المرض يقتضي تخصصاً معيناً، أو في حالة الحروب أو الكوارث التي تلحق البشر على هذه البسيطة.
والمداواة والجراحة تقتضي كشف العورة قصد العلاج والتطبب، وهو يتعارض مع الأمر بسترها، فهل يجوز قيام الرجل بمداواة المرأة وخاصة في العمل الجراحي؟
الجواب: ذهب أعضاء مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، إلى جواز ذلك ونص القرار:
(الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم.
على أن يطلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته وألا يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته، وأن تتم معالجة المرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة خشية الخلوة) ([1]).
وإذا تأملنا في قرار المجمع نخلص إلى أنهم اعتمدوا على هذا الترتيب في معالجة الرجل للمرأة على القاعدة الفقهية: ((ما جاز لعذر بطل بزواله)).
وهي ـ كما أسلفنا ـ تقيد قاعدة: ((الضرورات تبيح المحظورات)).
والتقييد المقصود ـ هنا ـ التقييد بالزمن، وهو أن حالة الاضطرار أو الحكم الاستثنائي الذي تقتضيه يبقى، ما دام العذر قائماً، فإذا زال، زال الترخيص، ورجع الأمر إلى القاعدة الأصلية([2]).
تطبيب الرجل للمرأة، والمرأة للرجل يكون بقدر:
يمكن للرجل أن يطبب المرأة وأن تطبب المرأة الرجل عملاً بالقاعدة الفقهية ((الضرورات تبيح المحظورات))، لكن بقي تحديد قدر هذه الضرورة لأن القاعدة الفقهية الأخرى تقول: ((الضرورات تقدر بقدرها))، فأقول:
إذا تَعيَّن على الطبيب معالجة إمرأة مريضة، أو العكس، فإنه يجوز له النظر إلى موضع المرض بقدر الضرورة والحاجة إلى التطبيب، إذ الضرورات تقدر بقدرها، وكذا الحكم بالنسبة للمريض من الرجال. ثم إن هذا الجواز مقيد بشروط أوردها الفقهاء:
1 ـ أن يكون هذا بحضرة محرم أو زوج أو إمرأة ثقة، خشية الخلوة؛ لجواز خلو الرجل بامرأتين ثقتين عند كثير من الفقهاء.
2 ـ أن لا تكون هناك امرأة طبيبة متخصصة تعالجها.
يقول الدكتور داود علي الجفال([3]): (نصت المجلة على أن: ((الضرورات تقدر بقدرها)) كما في المادة رقم: 22.
والأصح أن يقال كما جاء في الأشباه والنظائر للسيوطي: ((ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها))([4])؛ لأن ما يقدر ليس هو الضرورة نفسها، بل هو ما أبيح بسببها، وبمعناه نصت مجلة الأحكام العدلية على أن ((الضرر يدفع بقدر الإمكان))([5]).
ومعنى كل هذا أن الضرورة الملحة حالة استثنائية شاذة، والمستثنيات تفسر بتضييق، بمعنى أن الترخيص الذي تقتضيه الضرورة لا يكون على إطلاقه، بل يكون بالقدر اللازم لرفع المشقة.
(مثلاً): إذا جاز للطبيب النظر إلى عورة المرأة المريضة للضرورة، فلا يجوز له أن يرى منها أو يكشف عنها إلى موضع الحرج، ويغض بصره ما استطاع؛ لأن الضرورات تقدر بقدرها… وبناء على ذلك على الطبيب أن يقدر الضرورة بقدرها، فلا يكشف من العورة إلا بقدر ما يستدعيه الكشف والمعالجة) ([6]).