“ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبّونكم، وتؤمنون بالكتاب كله، وإذا لقوكم قالوا أمنّا، وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ..”. (سورة آل عمران.. الآية 119).
هذا القول ليس قول بشر يحتمل الصدق ونقيضه، ويعتريه الخطأ والصواب، ويخضع للعوامل النفسية والظروف الخارجية التي يتأثر بها الإنسان مهما يكن مبلغه من العلم، وحظه من الدنيا، ونصيبه من “وسخها”؟ ولكنه قول من رب حكيم عليم، يعلم السر وأخفى، ويعلم ما يختلج في الصدور، وما توسوس به النفس من خير وشر، وما يجول في العقول من خواطر، لأنه – سبحانه – هو الخلاّق، الذي أحاط بكل شيء علما.
يخاطب الله – عز وجل – في هذه الآية المؤمنين ويخبرهم عما قد يقع منهم نحو غيرهم من الكفار واليهود والنصارى والمنافقين فـ”تحبونهم” وتوادونهم اغترارا بكلام يخرج من أفواههم ظاهره المودة، ولكن صدورهم تنطوي على مكر وخداع وتآمر وتربص، لأنهم بصراحة “لا يحبّونكم”.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذه الآية الكريمة يراد بها “اليهود”. (أنظر: القرطبي. الجامع لأحكام القرآن. ج4 ص181. دار الكتاب العربي القاهرة 1967) – ويرجح هذا الرأي قوله – عز وجل – “وتؤمنون بالكتاب كله”، والآية من القرآن المدني إذ كان اليهود يساكنون المسلمين، وينافقونهم بقولهم: “آمنا”، ولكنهم “إذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيط”، والكره، والعداوة، والحقد..
إن العلماء القرآنيين، الذين يتدبرون القرآن الكريم، ويقيمونه، المستفيدين من حوادث التاريخ وعبره يؤكدون أن هذه الآية الكريمة وأمثالها ليست خاصة باليهود الذين كانوا يعاصرون الرسول – عليه الصلاة والسلام – وصحبه الكرام – عليهم الرضوان – بل هي ممتدة فيهم ما امتد الإسلام: باقية ما بقي مؤمن ومعاد للإسلام والمسلمين.
فيا أيها “المهرولون” نحو الصهاينة وحلفائهم، المسارعون فيهم، المتملقون لهم، أعميت أعينكم – إن كانت لكم أعين ام تبلّدت عقولكم – إن كانت لكم عقول عن هذه الآية ومثيلاتها في هذا الكتاب المبين، أو أنكم صرتم مثلهم “تحرّفون الكلم عن مواضعه؟”، كما فعل أحد أئمتكم؟!
إن القرآن الذي تخادعون الله والذين آمنوا فتقيمون له المسابقات، وترصدون له الفتات، الذي يستغني عنه غلمانكم وخليلاتكم، هذا القرآن سيكون سببا في إبداء سوءاتكم أمام المؤمنين لأن الله – عز وجل – تعهد بأن يخادع كل من يخادعه، كما تفعلون بمن فيكم من يزعم أنه من “آل محمد”، الذي لا ينتسب إليه إلا كل شريف..
أما (ما) يسمى “سعد الدين” فاقترح أن لا ينادى – حاضرا ومستقبلا – إلا “نحس الدين”، فإن أبى إلا التمسك باسمه الذي سماه به أبواه، فنعتبر هذا الدين هو “دين الملك” الذي يركع له، وليس الدين الذي أكمله الله – عز وجل – وأتم به نعمته على المؤمنين به، المرضي عنه من الله الذي لا يبتغي دينا غير الإسلام.