“كل شيء هالك إلا وجهه”،
“ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام”،
ذلك قضاء من له الأمر من قبل ومن بعد، ولا مرد لما قضى..
وذلك ما انتهى إليه العبد الصالح عبد القادر عثماني، شيخ الزاوية العلمية بطولقة، الذي التحقت ورقاؤه بعالمها الأسمى في يوم الثلاثاء 24/1/2023 بعد أربعة وتسعين عاما قضها كادحا إلى ربه – عز وجل- كدحا.
لقد قدر لي أن ألتقي عبد القادر عدة مرات، أولاها كانت في عام 1997 في زاوية آل القاسمي في بلدة الهامل قرب مدينة بوسعادة بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة الشيخ محمد بن أبي القاسم، مؤسس هذه الزاوية القاسمية – رحمه الله-
لفت نظري في ذلك اللقاء شخصية الشيخ عبد القادر المتواضعة للخلق، المعتزة بالخالق.
ومما رسخ في ذهني تلك الكلمة التي أرسل فيها “صواعق” على الذين اتخذوا التصوف “سجلا تجاريا”، يبتغون به عرضا زائلا، ملصقين به بدعا وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان، فشوّهوا بهاء الإسلام، ولطّخوا وجهه، فجعلوه سخرية الساخرين من المغضوب عليهم والضالين.
وقد طبعت تلك الكلمة القيمة في “دار الهدى” تحت عنوان: “الزوايا في الجزائر: عرض وتحليل”، كما نشرها المجلس الإسلامي الأعلى في أحد أعداد مجلته..
لقد كان الشيخ عبد القادر في تلك الكلمة القيمة أشد هجوما على أولئك الذين اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا من أكبر منتقديهم من علماء الإصلاح مشرقا ومغربا إلى درجة المطالبة بمعاملتهم كما يعامل المجرمون لأنهم تجرأوا على دين الله القويم، وارتكبوا في حقه ما سرّ أعداءه وأفرح خصومه من مكاء وتصدية”، فيا ويلهم يوم تكشف السرائر.
وأما المرات الأخر فقد كانت في زاويته العامرة بالقرآن الكريم، المتميزة بمكتبتها الزاخرة بالكتب في مختلف العلوم، فكانت “زاوية علمية” بحق، يؤمها العلماء والباحثون، لا “الراقصون” و”السكارى” من قبل أن يخلق الكرم كما يقول شاعرهم، وأحد “دكاترتهم” الذي زعم أن “بقرة الشيخ عبد الرحمان الثعالبي أكلت أسد الشيخ أحمد الملياني”، ووالله ما أكلها إلا أولئك الذين يزهدون الناس ولا يزهدون، على مذهب الشاعر القائل، وإنهم لآكلوها أكلا لما ومحبّوها حبا جما.
ما أقبح التزهيد من واعظ يزهد الناس ولا يزهد
وقد رأيناهم كيف كانوا “يشطحون” في “زردات عبد القادر المالي”، ويتجوّلون بأحد كبار الفاسدين ترويجا لاعتلائه كرسي الرئاسة خلفا لمن أهلك الحرب والنسل، وعاث في الجزائر هو وبطانته فسادا.. ولكن الله – العلي القدير- أبطل عمل المفسدين، ومخطط المجرمين الذين يقبعون اليوم في السجون..
ومما نقش في ذاكرتي ما كتب في مدخل زاوية طولقة من أنها لا تقبل مالا من أحد، توكلا منها على الفرد الصمد الذي له خزائن السماوات والأرض.. وما أنس لا أنسى قيام الشيخ عبد القادر بنفسه على خدمة ضيوفه، فما رأيت في المرات التي زرت فيها زاويته جالسا مع ضيفه وقت تناول الطعام.
رحم الله شيخنا عبد القادر عثماني، وغفر له ولنا، وألحقه بالصالحين، وألحقنا بهم أجمعين لا مبدلين ولا مغيرين ولا للسحت آكلين. وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين، ونسأل البر الرحيم أن يسترنا فوق الثرى، وتحت الثرى، ويوم يبعث الورى.