السؤال: ما حكم نقل وزراعة الأعضاء من الميت إلى الحي؟
الجواب: الطب كما عرّفه ابن رشد الحفيد هو علم يُعرف منه أحوال بدَن الإنسان من جهة ما يعرض لها من صحة وفساد.
وقد عرّفه ابن سينا بأنه ”علم يعرف منه أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصحّ، ويزول عن الصحة ليحفظ الصحة حاصلة، ويستردها زائلة”.
فعلم الطب يسعى بواسطته الإنسان إلى المحافظة على صحته حال وجودها، وردها حال فقدها.
والجراحة الطبية الحديثة تعتبر أحد فروع الطب.
ولقد نبغ المسلمون في تطويرها، حيث كانوا أول من أفرد علم الجراحة الطبية بالكتابة في مؤلفاتهم، كالرازي الذي حاز على الأولوية في اكتشافات عديدة تتعلق بالجراحة والطب الداخلي، وكذا الزهراوي الذي يعتبر أحد أعلام الجراحة الطبية البارزين ذوي الخبرة العالية.
ولا يُنكر أحد أن للمسلمين فضل السبق في عدة اكتشافات واستعمالات طبية وجراحية، فهم أول من استعمل التخدير في الجراحة الطبية، وهم أول من استعمل الخيوط لخياطة الجروح. وكان الرازي أول من فرّق بين النزيف الشرياني والوريدي.
والزهراوي الذي برز في جراحة العيون والأنف والحنجرة والفم. كما يُعتبر أول من وصف كيفية تفتيت الحصاة التي تعلق بالمسالك البولية، وأول من وصف عملية جراحية بإزالة تضخّم الغدة الدرقية.
ولمن يريد الاستزادة المعرفية في أعمال المسلمين في المجال الطبي والجراحي فليرجع إلى الموسوعة الطبية الحديثة لمجموعة من الأطباء.
– أحكام الجراحة الطبية للدكتور الشنقيطي. – شمس العرب تسطع على الغرب لزيغريد هونكه.. وغيرها من المؤلفات الهامة في هذا المجال.
وتعتبر مهمة نقل وزراعة الأعضاء من المهمات الجراحية الحديثة التي طرأت في العصر الحاضر.
وقبل الشروع في ذكر تفاصيل هذه المسألة لا بأس أن نعرّج على موضوع هام لا بد من ذكره، وهو حُرمة جسم الإنسان حيا وميتا، فالآدمي محترم حيا وميتا، خلقه الله وكرمه ”ولقد كرّمنا بني آدم” وخلقه في أحسن تقويم ”لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”.
والشريعة الإسلامية أولت اهتماما كبيرا بالنفس البشرية وحقوق الإنسان، فحرّمت قتل النفس إلا بالحق ”ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق”.
وأول ما يُقضى فيه بين الناس يوم القيامة الدماء كما جاء في الحديث، كما أن القتل العمد جزاؤه النار وغضب الله ولعنته وعذابه، قال تعالى: ”ومن يقتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنم، خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذابا عظيما”.
وعلى الجاني فُرضت الدّية، والكفارة على القاتل خطأ، كما حرّمت الشريعة أن يقتل المؤمن نفسه ”ولا تقتلوا أنفسكم” وقال سبحانه ”ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”.
لأن الحق في سلامة الحياة والجسد حق مشترك بين العبد وبين ربه.
وبلغ اهتمام الشريعة الإسلامية بحفظ الإنسان وحياته وحقوقه حتى وهو جنين في بطن أمه، فحرمت الإجهاض بعد نفخ الروح إلاّ لعذر، وهو هلاك الأم بإبقائه، تضحية بالفرع في سبيل إنقاذ الأصل. وكما أن الإسلام حمى الإنسان حيا، فقد حماه وهو ميت، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ”كسر عظم الميت ككسره حيا” أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة.
فاقتضى ذلك حرمة نبش مقابر المسلمين وهشم عظام الموتى إلا للضرورة.. فهذا بيان مختصر لحرمة جسم الإنسان حيا وميتا، إلا أن ضرورة العلاج أو الحاجة إليه تجعل المحظور مباحا، كما هو مقرر في القواعد الأصولية ”الضرورات تبيح المحظورات” و”الضرورات تقدّر بقدرها”.
ولا بد في المساس بجسد العبد من إذن الشرع وإذن العبد أو وليّه. ومسألة نقل وزراعة الأعضاء تتفرع إلى مسائل متعددة، منها نقل وزرع العضو من إنسان حي إلى مثله، ونقل وزرع العضو من إنسان ميت إلى حي، وهذه هي المسألة التي سنتطرق إلى ذكر الأدلة والقائلين بالجواز فيها من خلال مقالنا القادم، والله الموفق والمستعان. ..المريض، وأن يتّبع أصول المهنة وقواعدها، وأن يبذل وسعه من أجل شفاء المريض حسب قدراته المهنية والعلمية وقد قال الله تعالى: ”.. من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعا” المائدة/.32
لقد اختلف العلماء المعاصرون في حكم نقل الأعضاء من الشخص الميت أو الحيّ وزرعها في الإنسان الحي إلى قولين؛
قول بالجواز،
وقول بعدمه.
والقول بالجواز صدر في عدد من المؤتمرات والمجامع والهيئات واللجان منها:
ـ المؤتمر الإسلامي الدولي المنعقد بماليزيا سنة 1969م خلص إلى جواز نقل الأعضاء بشرط الضرورة ونصّ على حرمة المتاجرة بالأعضاء الآدمية.
ـ مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة سنة 1985 الذي خلص إلى جواز نقل الأعضاء.
ـ هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وذلك سنة 1982، قررت بالأكثرية جواز نقل عضو وجزئه من إنسان ميت إلى مسلم اذا اضطر إلى ذلك.
ولجنة الفتوى في كل من المملكة الأردنية الهاشمية ودولة الكويت سنة 1985، وجمهورية مصر العربية سنة 1989 حيث أفتى مفتي الجمهورية بالجواز.
ـ والجمهورية الجزائرية كانت سبّاقة إلى البحث في هذه المسألة الحديثة، حيث صدرت فتوى جواز نقل وزرع الأعضاء من ميت إلى حي عن لجنة الإفتاء للمجلس الإسلامي الأعلى بتاريخ 20 أفريل 1972، واشترطت رضا المنقول منه ما لم يكن ميتا، فلوليّ الأمر الحق في أن يأذن بالنّقل.
وأدلة القائلين بالجواز تتمثل مجملا في: قوله تعالى ”إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم”.
وقوله تعالى ”فكلوا مما ذُكر إسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين ومالكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصّل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه…” وغيرها من الآيات الكريمة التي اتفقت على استثناء حالة الضرورة من التحريم المنصوص عليه، والإنسان المريض إذا احتاج إلى نقل العضو فإنه سيكون في حكم المضطرّ.
وقوله تعالى: ”ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”.
وقوله سبحانه: ”يريد الله بكم اليُسر ولا يريد بكم العُسر”، وغيرها من الآيات التي تدل على أنّ مقصود الشارع التسيير لا التعسير.
ـ يجوز التداوي بنقل الأعضاء لاعتبار ذلك ضرورة تبيح المحظور. ـ أن انتفاع الحيّ بأعضاء شخص ميت يعتبر من باب الصدقة على ذلك الميت، فهي صدقة جارية إذا وصى بذلك المرء قبل موته.
ـ أن الإنسان له حق التصرف في جسده في إطار المصلحة، وإذْنه بالتبرع فيه مصلحة عظيمة.
ـ وعملا بالقواعد الفقهية المذكورة سابقا، وبقاعدة: ”إذا تعارضت مفسدتان دُفع أعظمهما بارتكاب أخفّهما”، فمفسدة هلاك الحي أعظم من المفسدة الواقعة على الميت.
ـ ”الأمور بمقاصدها” حيث أن المقصد من نقل وزرع العضو من الميت إلى الحي هي إنقاذ الحي، وليس إهانة الميت والتمثيل به.
ولابد في الأخير من التذكير بضرورة إذْن الشخص بتبرعه بأعضائه قبل موته، أو إذن وليّه وورثته بعد موته، وكذا وجوب توفر القيود والضوابط التي ذكرناها سابقا، كالتحقق من موت الجثة وغيرها.