لا أعرف شخصا نال هذا اللقبَ إلا الأستاذ أحمد توفيق المدني، والمقصود بالقُطرين تونس والجزائر؛ ذلك لأن الأستاذ أصله جزائري ومولده في تونس ككثير من الجزائريين وأبرزهم الإمام الأخضر حسين، وهو الوحيد الذي نال مشْيَخة الجامع الأزهر من غير المصريين، وهو أصيلُ منطقة طولقة، والشيخ صالح الشريف أصيلُ منطقة الصومام.
هاجرت أسرةُ المدني إلى تونس عقب جهاد المقراني والشيخ الحدّاد في 1871، وفي تونس وُلد أحمد توفيق المدني في 1889.
درس في تونس من الابتدائي إلى الزيتونة، وانخرط مبكرا في العمل السياسي، مما أدى به إلى أن يُسجن قبل أن يتمَّ العقدَ الثاني من عمره، وقد لبث في السجن أربعَ حِجج.
ما إن خرج من السجن حتى أسّس الزعيمُ عبد العزيز الثعالبي “حزب الدستور” المنادي بتحرير تونس من فرنسا، وكان المدني -على حداثة سنّه- من قادة الحزب الوطني.
في عام 1923 كتب المدني أوّلَ كتبه وهو “نضال إيرلندا”، إعجابا بنضال هذا الشعب ضد أخبث وأمكر “استعمار” وهو الاستعمارُ البريطاني الذي هو “أولُ الشرِّ، ووسطُه، وآخرُه”، كما يقول الإمام الإبراهيمي.
لم تستطع فرنسا صبرا على نشاط الشاب أحمد توفيق المدني فاتخذت قرارا بنفيه من تونس إلى الجزائر، فكان ذلك النفيُ “الحسنةَ” اليتميةَ في سجلّ فرنسا الأسود؛ إذ كان مجيء المدني إلى الجزائر “قيمة إضافية” في نشر الوعي الفكري والتاريخي خاصة.. كان ذلك النفيُ في 1925، وهي السنة التي أسّس فيها الإمامُ ابن باديس “شهابه” المنير للسائرين، المُحرِق للطاغين، ولكلّ خوّانٍ أثيم، وكان المدنيُّ من أوائل المساهمين فيه حتى توقَّف في 1939.
أسِّست جمعيةُ العلماء المسلمين الجزائريين في 5/5/1931، وكان المدني من الداعين إلى تأسيسها ولكنه لم يصبح عضوا فيها إلا في سنة 1951، إذ عُيّن أمينا عامّا لها، وإن كان من كتّاب جريدة “البصائر” في سلسلتها الثانية (1947- 1956)، وتحمّل مسؤولية تسييرها بعد سفر الإمام الإبراهيمي إلى المشرق (مارس 1952- أفريل 1956).
وفي 1951 كان أحدَ مؤسسي “الجبهة الجزائرية للدفاع عن الحرية واحترامها”، التي كان رئيسها هو الشيخ العربي التبسّي.
وفي سنة 1956 التحق بوفد “جبهة التحرير الوطني” في الخارج، وقدّم خدماتٍ جليلة للثورة في المشرق العربي، وفي 1958 عُيِّن وزيرا للثقافة في أوّل حكومة مؤقتة، وكان عضوا في مجلس الثورة، وممثلَ الجزائر في الجامعة العربية.
وبعد استرجاع الاستقلال عُيِّن الأستاذُ المدني وزيرا للأوقاف، ثم سفيرا في كلٍّ من إيران، والعراق، وتركيا، وباكستان، وانتهى به الأمرُ إلى التسيير العلمي لمركز الدراسات التاريخية.
ترك الأستاذُ المدني تراثا جليلا في تاريخ الجزائر، تربّى عليه الشبانُ الجزائريون وما يزالون، وكتُبه من أحسن الكتب في بثّ الروح الوطنية والحماس، وكان ثاني اثنين بعد مبارك الميلي تصدّى لـ”الترسانة التاريخية الفرنسية المزيِّفة” لتاريخنا المجيد، فكان هو والميلي قبله هما من بدآ “تحرير التاريخ” الذي طلبه الأستاذُ محمد الشريف ساحلي سنة 1964. تُوفي الأستاذ أحمد توفيق المدني يوم 18. 10. 1983.