في الوقت الذي هبت فيه جمعيات الخير لمد الخير بما تستطيع – مشكورة- باذلة في سبيل ذلك النفس والنفيس معرضة أفرادها وعائلاتهم للخطر انبرى لها – بقصد وبغير قصد- من يناصبها العداء، يتتبع زلاتها، ويشيع عثراتها…
الجمعيات حالها كحال البشر الذين يسيرونهاها، فيها الخطأ و الصواب، و العجز والقدرة شأنها شأن أصحابها.
لكن مع ذلك نحسب أهلها – إن صلحت النية- مجاهدين في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم لأنهم يقومون بواجب وقتنا، وحسبهم فخراً قوله تعالى: (لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) – النساء -95- 96
فينبغي أن نشكر محسنهم ونشيع محاسنهم، ونستر هفوة مخطئهم، ونبذل النصح لمسيئهم، لنكون للحق والخير أعواناً، فقد كان حبيبنا صلى الله عليه وسلم يُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِّيهِ.
أما إشاعة العثرات، واتباع الزلات، و التجرأ على الله باتهام النيات فذاك لعمري من أكبر الموبقات.
فالعمل الخير ممدوح سراً وعلانية لقوله تعالى: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) – البقرة271.
ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنْ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ ؟ قَالَ : (تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ).
أما الاستدلال بقوله تعالى على عدم جواز صدقة العلانية [التصوير في عصرنا] بقوله تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) – البقرة 264.
فاستدلال فيه نظر، فالآية فوق أنها نزلت في الكفار كما هو في تتمة الآية (وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)، تتحدث عن المنّ والأذى والرياء… وليس عن السر أو العلانية… فالمنُّ والأذى والرياء أمور منهي عنها سراً وجهراً.
فإذا كان المقصود من التصوير التوثيق والتأريخ، وإشاعة الخير وحث الناس عليه، وكذا طمأنة المحسن بوصول ماله إلى مستحقيه، ونشراً للتوعية المجتمعية، وتنقية هذا المجال من الدخلاء والأدعياء، فلا حرج في ذلك -إن شاء الله تعالى- على أن يكون التصوير تصويراً للعمل الخيري لا للمستفيد منه حفظاً لكرامته وعزته.
ثم إن التصوير قد يكون مطلباً وهدفاً في سبيل الوصول إلى العمل الخيري المؤسساتي التخصصي المنظم الذي يشتمل على إدارة وتنظيم وتخطيط وإعلام وغير ذلك من الدوائر التي ترتقي به.
فمن قام بالتصوير فله ذلك ما انضبط بالضوابط الشرعية التي تحفظ كرامة وعزة أخيه المحتاج.
ومن رأى السر فهو خير له ( وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) – البقرة271.
وأجره عند الله تبارك وتعالى، وما ضره أن الناس لا تعرفه إن عرفه الله تبارك وتعالى، وعرَّف به أهل السماء.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
الوسومالأستاذ عمار رقبة الشرفي مقالات جزائرية موقع المكتبة الجزائرية الشاملة
شاهد أيضاً
رجال صَدَقُوا اللهَ فَصَدَقَهُم – أ.د محمد بوركاب
العلماء ورثة الأنبياء، ومصيبة فقدهم تعدل مصيبة فقد الأنبياء أو تدانيها، وقد رحل عنّا سيدي …