أولا: نسبه و مولده:
هو السعيد بن علي بن أحمد بن محمد الثاني بن محمد الأول بن علي بن أحمد بن علي بن موسى، وهذا الأخير هو الجد الأول لكافة سكان قرية: آيت سيدي أحمد وعلي[1]، ولد سنة 1290هـ الموافق لـ: 1873م بقرية آيت سيدي أحمد وعلي ببني يجر التي تقع على بعد 17كلم من مدينة عزازقة، ولاية تيزي وزو.
ثانيا: دراسته:
درس الشيخ السعيد اليجري على يد والده الشيخ: علي الزواوي، الذي كان معلما للقرآن الكريم واللغة العربية وإماما بمسجد قرية “إحيطوسن” ثم بقرية “كريمة” بعرش بني يخلف بدائرة بوقاعة، والتي انتقل إليها بأمر من الشيخ محمد أمزيان بلحداد وبطلب من سكان القرية نفسها.
تلقى الشيخ اليجري المبادئ الأولى للقراءة و الكتابة و ما تيسر من القرآن الكريم على يد والده، لينتقل بعدها سنة 1888م إلى زاوية عبد الرحمن اليلولي، حيث حفظ القرآن الكريم وأتقنه رسما وتجويدا بروايات مختلفة، كما حفظ عدة متون في الرسم والقراءات وفي العلوم العربية من نحو وصرف وبلاغة وفي علم الشريعة من فقه وحديث وفرائض[2]
ثالثا: شيوخه:
درس مترجمنا على يد رجال مشهود لهم بالعلم والصلاح، وبمستوى علمي رفيع، نذكر منهم:
01-الشيخ الصادق بن زكري البسكري الذي تولى وظيفة الإفتاء بمدينة تيزي وزو في حدود سنة 1890م إلى غاية وفاته سنة 1926م أو 1927م.
02-الشيخ شريف آيت عيسى الإفليسي الذي انتصب للتعليم والتربية والفتوى والتوجيه الديني في عدة زوايا من زوايا المنطقة.
03-الشيخ الطاهر القيطوسي الحضيري الذي اشتهر بالتضلع في القراءات وفي قواعد اللغة العربية خاصة علم النحو، كانت حياته جهادا متواصلا في ميدان التربية والتعليم، وكان شعاره من المحبرة إلى المقبرة، توفي سنة 1903م و دفن بمسقط رأسه بقرية “أولحضير” بالقرب من آقبو.
04-الشيخ السعيد بن عبد الله بالحريزي الساطوري القلي، ذاع سيطه في مجال الفقه وعلوم القرآن، اشتغل إماما ومدرسا بمسجد سيدي الصوفي بمدينة بجاية، درس عليه مترجمنا: الأصول وفقه العبادات والمعاملات[3]، وقد جاء في إجازته للشيخ السعيد اليجري: “فقد التمس مني من حسن بي ظنه، الأخ في الله، والمحب من أجله، الداعي إلى الله بقوله وفعله، الفاضل اللوذعي الكامل، الشيخ السعيد بن علي اليجري، أن أجيزه …” إلى أن يقول: “إني أجزت الشيخ المذكور، في جميع ما صحت لي درايته، وثبتت لي روايته، من منقول ومعقول، كما أجازني به ذلك أشياخي”[4].
05-الشيخ محمد سعيد بن زكري البسكري: المفتي المالكي بالجامع الكبير بالعاصمة، والأستاذ بالمدرسة الثعالبية، حافظ للحديث، إمام في علمي التوحيد والفقه على مذهب الإمام مالك، عكف طول عمره على التعليم والإرشاد والإفتاء والخطابة، صاحب رسالة: “أوضح الدلائل على وجوب إصلاح الزوايا ببلاد القبائل”، درس بزاوية عبد الرحمن اليلولي وتوفي سنة 1914م[5].
06-الشيخ عبد القادر المجاوي، المتضلع في علم الكلام وعلم الاقتصاد السياسي وفنون التربية، قضى حياته كلها في التدريس والتأليف، وتآليفه كلها مدرسية في النحو والصرف.
07-الشيخ محمد واعماره الوزلاقي، رجل فقه وحديث، متضلع في علوم القرآن.
08-الشيخ السعيد البهلولي الورثلاني، قضى كل عمره في تحصيل العلم ونشره والدعوة إلى الله تعالى، من أعماله العلمية رسالة في الرد على الطرقيين والعوام القائلين بوجوب تلقين الأوراد والذكر والتي طبعت بالمطبعة الثعالبية سنة 1926م، وقرضها المرحوم الشيخ البشير الإبراهيمي، وله إلى جانب ذلك مخطوطات في موضوعات مختلفة.
لقد أحب الشيخ اليجري مشايخه، فكان لا يفتأ يذكرهم بالإعجاب وينوه بفضائلهم ويبالغ في الثناء عليهم والإشادة بأخلاقهم ومآثرهم، يمجدهم ويذكر كفاءتهم وانجازاتهم في مجال التربية والتعليم ويدعو إلى التحلي بأخلاقهم والاقتداء بهم.
رابعا: مراسلاته:
تراسل الشيخ اليجري مع عدد من الشخصيات حول جملة من القضايا:الفكرية والتاريخية والأدبية والدينية والتربوية والتعليمية في متابعة منهم لأحداث الساعة بوعي وحس مرهف، يتبادلون الآراء ويتشاورون في مختلف المسائل مواكبين الحياة فيما جد فيها وما تعاقب على ساحتها، ومن أبرز الشخصيات التي تراسل معها نذكر:
-الشيخ السعيد أبو يعلى الزواوي.
-الشيخ أبو القاسم البوجليلي العباسي.
-الشيخ أرزقي أبو يعلى الزواوي.
-الشيخ الحسن بن فارس العيدلي.
-الشيخ السعيد بن الحريزي القلي.
-الشيخ السعيد البهلولي الورثلاني.
-الشيخ السعيد الزلالي اليراثني.
-الشيخ الشريف الإفليسي البحري.
-الشيخ عبد القادر المجاوي.
-الشيخ الصادق بن زكري الجنادي.
-الشيخ محمد سعيد بن زكري الجنادي.
-الشيخ محمد السعيد السحنوني اليراثني.
-الشيخ محمد بن عماره الوزلاجي.
-الشيخ المولود الحافظي.
-الشيخ محمد البشير الإبراهيمي.
-الشيخ الطاهر القيطوسي الحضيري اليلولي.
لقد امتدت أيادي التخريب إبان الثورة على يد الاحتلال إلى تلك الثروة من الرسائل، والتي لو بقيت لسلطت أضواء ساطعة على حقبة من تاريخ الجزائر المعاصر، وعلى كثير من جوانب الحياة الفكرية والسياسية السائدة في تلك الحقبة من الزمن … والنشاط الحثيث الذي ساد البلاد خاصة مرحلة الإعداد … لتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين … ثم دخولها الميدان العملي … الخ[6].
خامسا: تدريسه:
اشتغل الشيخ السعيد اليجري زهاء ثلاثة وخمسين[7] عاما في التدريس، في حوالي أكثر من عشر زوايا، ويتعلق الأمر بـ:
-زاوية سيدي أحمد بن يحيى بأمالو، قرب أقبو، وهي أول زاوية باشر فيها التعليم وعمره اثنان وعشرون سنة، كان ذلك سنة 1886م.[8]
-زاوية سيدي يحيى بن موسى الوغليسي.
-زاوية بني حالة قرب إلماين.
-زاوية سيدي سعيد المسيسني قرب صدوق.
-زاوية سيدي عبد الرحمن اليلولي.
-زاوية سيدي محمد بن مالك اليجري.
-زاوية شلاطة، لإبن علي الشريف قرب أقبو.
-زاوية سيدي موسى الوغليسي، قرب سيدي عيش.
-مسجد قرية سيدي سعيد بحورة ببني يجر.
-زاوية سيدي بويحيى ببني دوالة.
-زاوية سيدي عمر والحاج، ببني يجر.
آمن الشيخ السعيد اليجري دائما أن رسالته في هذه الحياة هي تربية النشء و تعليمه، واضعا نصب عينيه إعداد رجال أقوياء العقيدة و الإيمان، متشبعين بأخلاق القرآن، مسلحين بالرجولة و الوطنية الصادقة، مركزا على تنمية جوانب القوة في التلميذ و تقويم أخلاقه و تصويب سلوكه حتى يستقيم على الصراط السوي، مستهدفا التربية العقلية والخلقية والعملية لإعداد مواطنين صالحين يعتمد عليهم في أداء رسالتهم في هذه الحياة والنهوض بمسؤولياتهم بإخلاص ونزاهة ووفاء، فبالعلم والعمل والأخلاق يكون التقدم و الرقي.
ومن الذين درسوا على يد الشيخ اليجري وانتفعوا بعلمه نذكر:
-الشيخ محمد الطاهر آيت عيسى، مؤسس زاوية الشيخ الشريف الإفليسي بتمليلين في أوائل الثلاثينات.
-الشيخ محمد أمقران الغزالي.
-الشيخ أبو القاسم بن عمرو الحيطوسي.
-الشيخ عمر الأمليحي اليلولي.
-الشيخ محمد أرزقي حملات الأمعوشي.
-الشيخ محمد السعيد اليجري.
-الشيخ محمد الطاهر آيت علجت المقراوي.
-الشيخ محمد أمزيان الثعالبي.
-الشيخ عبد الله شرع الله.
-الشيخ أحمد الورجيوني.
سادسا: جهاد الشيخ اليجري في سبيل الدعوة إلى الله تعالى:
لقد جاهد الشيخ اليجري في مجال الدعوة إلى الإسلام الصحيح و نبذ البدع والخرافات وبث الوعي الديني والوطني، كان دائما يذكر بعظمة الإسلام وسمو مبادئه ونبل أهدافه وغاياته، وأن تخلف المسلمين إنما كان نتيجة ابتعادهم عن الإسلام وتخليهم عن قيمه الروحية السامية، لقد دأب على الدعوة إلى حفظ الماضي وصيانة الحاضر وبناء المستقبل، كان يدعو إلى العمل الصالح وحب الخير ونشره بين الناس دون ملل أو استكثار.
لقد كان الهدف من مشواره الدعوي إنارة الطريق نحو غد مشرق للإسلام الصحيح والعلم النافع والأخلاق الفاضلة وتحرير العقل من الأباطيل والأوهام والتوجيه نحو حياة العزة والكرامة في ظل الشريعة الإسلامية الغراء.
لم يغفل الاحتلال الفرنسي عن نشاطه، ولا أدل على ذلك من هذا المنشور الذي صدر عن دار العمالة (الولاية) بقسنطينة، بإمضاء كاتب الولاية –نيابة عن الوالي- (لانديل) قسم الشؤون الأهلية، رقم 8424، تحت عنوان: المراقبة السياسية للأهالي، الصادر بتاريخ 15/03/1932م، وجهه إلى نواب الولاة –رؤساء الدوائر حاليا-، ومما جاء فيه:
(يشرفني أن أحيطكم علما أنه بناء على المعلومات الواردة، بأن جمعية العلماء المسلمين سوف توظف دعاة (مبشرين) من بين الطلبة، يقوم كل منهم أثناء جولاته بمنطقة محددة بمهمة محاربة البدع والخرافات من جهة ومواجهة النفوذ الفلسفي للمبشرين الفرنسيين والأجانب من جهة أخرى).
و من جملة الذين وردت أسماؤهم في هذا المنشور نذكر:
-الشيخ حاج حسن (الطرابلسي) –عنابة.
-الشيخ المولود الحافظي (الورثلاني) –بوقاعة.
-الشيخ ابن الشريف (مولاي) –سيدي علي، قرب مستغانم.
-الشيخ الطيب المهاجي –وهران.
-الشيخ السعيد … أيت يجر –حوز عزازقة الممتزجة.
-الشيخ فضيل (اليراتني) –الأربعاء ناث إيراتن.
-الشيخ العربي بن بلقاسم (العربي التبسي)[9].
لكن ذلك لم يثن شيخنا عن النهوض بمهمته في الإرشاد وزرع الأمل في نفوس أبناء جلدته وتهذيب العلاقات الاجتماعية بينهم أفرادا وجماعات وتعزيز عرى الأخوة والتضامن والتعاون فيما بينهم في مواجهة تحديات الحياة من جهة و في مواجهة دسائس الاستعمار الرامية إلى إفراغ السكان من مقوماتهم الدينية و اللغوية من جهة أخرى.
سابعا: صفاته:
كان الشيخ اليجري لطيف المجالسة، حسن المعاشرة، طيب اللسان، نقي السريرة، حاد الذكاء، حاضر البديهة ومرهف الحس، كان وطنيا، مجاهدا بالكلمة الصريحة الحاسمة لا يخاف فيها لومة لائم، عرف بعلو همته وعزة نفسه وشهامته ومروءته، لكنه في المقابل كان متواضعا، خافضا للجناح متنكرا لذاته، بسيطا، غير محب للتفخيم والألقاب.
ثامنا: وفاته:
أصيب الشيخ اليجري بمرض أقعده الفراش مدة أربعة وثلاثين يوما، ليلفظ أنفاسه الأخيرة ويلقى ربه يوم الجمعة 05 محرم 1371هـ الموافق لـ: 05 أكتوبر 1951م، وشيعت جنازته يوم السبت في موكب مهيب، وصلى عليه الشيخ أرزقي أبو يعلى الزواوي، ودفن في مقبرة العائلة بقرية “آيت سيدي أحمد وعلي”.
تاسعا: أبيات يحلو للشيخ اليجري ترديدها[10]:
مما يحلو للشيخ السعيد اليجري ترديده في مجالسه:
-إن الطبيب و المعلم كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما
فاصبر لدائك إن جفوت طبيبا واصبر لجهلك إن جفوت معلما
********
-ليس العلم ما حواه القمطر إنما العلم ما حواه الصدر
********
-علمي معي حيث ما يممت يتبعني صدري وعاء له لا بطن صندوقي
إن كنت في البيت كان العلم فيه معي أو كنت في السوق كان العلم في السوق[11]
********
-لا يكذب المرء إلا من مهانته أو عادة السوء أو من قلة الأدب
لجيفة الكلب عندي خير رائحة من كذبة في جد وفي لعب
********
-أنا إن عشت لست أعدم قوتا و إن أنا مت لست أعدم قبرا
همتي همة الملوك و نفسي نفس حر تأبى المذلة كفرا[12]
********
-و ما شرف أن يمدح المرء نفسه و لكن أعمالا تذم و تمدح
و ما كل حين يصدق المرء ظنه و لا كل أصحاب التجارة يربح
ولا كل من ترجو لغيبك حافظا و لا كل من ضم الوديعة يصلح
********
-علي ثياب لو يباع جميعها بفلس لكان الفلس منهن أكثرا
و فيهن نفس لو يقاس ببعضها نفوس الورى كانت أعز و أكبرا
وما ضر نصل السيف أخلاق غمده إذا كان غضبا حيث وجهته فرا[13]
********
-و من عادة الأيام أن قطوبها إذا سر منها جانب ساء جانب
و ما أعرف الأيام إلا ذميمة ولا الدهر إلا و هو للثأر طالب
رحم الله الشيخ السعيد اليجري وأسكنه فسيح جناته.
الهوامش:
[1]محمد الصالح الصديق، أعلام من المغرب العربي، الجزء الثاني، موفم للنشر و التوزيع، الجزائر 2000، ص 450. [2]محمد الصالح الصديق، المرجع السابق، ص 454. [3]محمد حسن و عبد الرحمن، الشيخ السعيد اليجري: نصف قرن عن رحيله، 1361هـ/ 2001م، ص 18. [4]محمد حسن و عبد الرحمن، المرجع السابق، ص 19. [5]محمد الصالح الصديق، المرجع السابق، ص 458. [6] [6]محمد حسن و عبد الرحمن، المرجع السابق، ص 22. [7]محمد حسن و عبد الرحمن، المرجع السابق، ص 23. [8]محمد الصالح الصديق، المرجع السابق، ص 463. [9] [9]محمد حسن و عبد الرحمن، المرجع السابق، ص 26-27. [10] محمد الصالح الصديق، المرجع السابق، صفحات متفرقة. [11] الإمام الشافعي رحمه الله. [12] الإمام الشافعي رحمه الله. [13] الإمام الشافعي رحمه الله.