هو محمد السعيد الزاهري بن البشير بن علي بن ناجي .
ولد في: (1317هـ/1899م) ببلدة (ليانة) بالزاب الشرقي، ولاية بسكرة .
وقيل أنه ولد 1901 نقلا عن بطاقة ميلاده المستخرجة من بلدية دائرة (زريبة الوادي) تحت رقم 971/1901.
استهل تعلمه في بلدته على يدي كوكبة من علماء أسرته، يأتي على رأسهم : جدّه لأبيه الشيخ علي بن ناجي ، وعمه عبد الرحيم بن ناجي ، والشيخ محمد بن ناجي ، والشيخ علي بن العابد ، وغيرهم .
وكان أوّل ما بدأ به تعلّمه حفظ القرآن الكريم وتلقي بعض المعارف الأولى في العلوم الدينية واللّغوية، ثم تاقت نفسه إلى المزيد من ذلك فالتحق بدروس الإمام عبد الحميد ابن باديس بقسنطينة، بيد أنه لم يمكث بها سوى أربعة عشر شهرا .
انتقل بعدها إلى (جامع الزيتونة) بتونس، فمكث به أربعة أعوام، نال في نهايتها شهادة (التطويع).
ويذكر الزّاهري من شيوخه بالزّيتونة ثلاثة منهم، كان قد لازمهم مدّة فترة التحصيل، وأفاد من واسع علمهم، وسديد توجيهاتهم، وهم : (الشيخ معاوية التميمي، والشيخ محمد النّخلي، والشيخ عثمان بلخوجة) .
1- الزاهري في ميدان الإصلاح :
غادر الزاهري في سنة 1925 تونس عائدا إلى أرض الوطن، فاستقر بالجزائر العاصمة، وانضم إلى جماعة الإصلاح التي كانت في هذه الفترة في بداية عهدها تعمل على غرس البذور الأولى للفكر الإصلاحي في النفوس وفي السلوك، فأخذ مكانه بين أعضائها، ومضى على هدي منهجها ينهض بأعباء الجهاد في السّاحة الوطنية على أكثر من صعيد: على طريق الوعظ والإرشاد، وفي حقل التربية والتعليم ، وفي ميدان النوعية والتوجيه، فكان داعية مصلحاً، ومعلما مربياً، وصحفياً حرا ، وأديبا ملتزماً.
كان الزّاهري كغيره من روّاد النهضة مصلحا، اجتهد في بث الوعي الدّيني الصحيح، ونشر الفكر الإصلاحي المستنير في صفوف أفراد الأمّة، داعياً إلى تصحيح العقيدة بالرّجوع فيها إلى منابعها الأولى : (الكتاب، والسّنة، وهدي السلف الصالح .) وتصفيتها ممّا علق بها من شوائب وبدع وضلالات بفعل جهل بعض المبتدعين المشعوذين.
كان الزّاهري في هذه الجبهة من أكثر المصلحين الجزائريين صلابة في مقارعة أولئك المتمربطين الدجالين ودحض أباطيلهم وضلالاتهم وخرافتهم .
وكان مّما زاد في عنف موقفه من هؤلاء وقسوة ردود أفعاله حيالهم ما عرف به من حدّة المزاج، وثورة الانفعال، وقلّة صبره على رؤية مظاهر الفساد الخلقي ، والانحراف الديني والتردي الاجتماعي .
واستمر الزّاهري يواصل جهاده على هذه الجبهة إلى أن كثر سواد جماعة الإصلاح مع مرور الأيّام، وانتظم عقد حركتهم واشتدّ عودها.
وكان لتلك الجهود أن أتت أكلها رغدًا طيّبًا بتأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1931، وهي جمعية دينية، وطنية، إصلاحية، تربوية، حضارية .
كان الزّاهري من بين مؤسسي هذه الجمعية وأحد الأعضاء الفاعلين في مجلسها الإداري. وقد انتظم في هذا المضمار نشاطه على إثر ذلك وازدادت فاعليته، وأصبح يمثل هذه الجمعية في مدينتي (تلمسان ووهران) في الغرب الجزائري.
إلا أنّه لم يلبث أن بدأ في أواخر الثلاثينات من القرن العشرين يقلّل من نشاطه في جمعية العلماء التي تمثل الجناح الحضاري في الحركة الوطنية، وبدأ يتقرب في نشاطه من الجناح السياسي لهذه الحركة، وانتهى به هذا التحوّل إلى أن استبدل أو يكاد ركوبه متن المنهج السّياسي بالمنهج الحضاري للجمعية. فأصدر سنة 1947 جريدته (المغرب العربي) ، وأصبح من خلالها ينشط في الميدان السياسي أكثر ممّا ينشط في غيره.
2- الزاهري في الحقل التربوي:
كان أعلام الحركة الوطنية الحضارية في الجزائر منذ انطلاقتهم الأولى في جهادهم يدركون -كسائر أعلام الإصلاح في العالم العربي الإسلامي- أن علة العلل في أمراضهم الاجتماعية وتخلفهم الحضاري، وما إلى ذلك من عوامل ما يسميه المفكر الكبير مالك بن نبي (القابلية للاستعمار ) هو الجهل ، وأن العلم من أبرز العوامل الفاعلة ذات الأهمية البالغة فيما يريدون أن يؤسسوا له من بناء على طريق النّهوض بالأمة، والسّمو بواقعها، فكانوا لذلك يولون هذا الجانب – من بين ما تقوم عليه حركتهم من أسس- العناية الكبيرة اللازمة .
وقد انطلق الزّاهري -كغيره من أعلام النهضة – من هذه القناعة ، ومضى يسهر على تربية النشء وتهذيبه وتثقيفه، فكان أستاذا في أكثر من مدينة من مدن البلاد ، فقد علّم بمدينة (الأغواط) جنوبا، وبـ (تلمسان ووهران) غربا، وبـ (الجزائر العاصمة) شمالا.
إلاّ أنّ نشاطه في هذا الميدان لم يعمر طويلا، ولعلّ مردّ ذلك لغلبة الميول الأدبية والسياسة والصحفية على نفسه، ممّا جعل نشاطه في الحقل التربوي أقل من نشاطه في غيره من الميادين .
3- الزاهري الصحفي :
كان الزّاهري قد دخل ميدان الإعلام والصّحافة مبكرا، ولعل دخوله إلى هذا الميدان كان أسبق من دخوله في غيره، ذلك أنّه كان قد مارس الكتابة في الصّحافة، وهو في مرحلة التّحصيل العلمي بتونس .
ينظر(د/ محمد صالح الجابري : النشاط العلمي والفكري للمهاجرين الجزائريين بتونس (1960-1962 ص: 391). الدار العربية للكتاب تونس- الشركة الوطنية للنشر وللتوزيع الجزائر 1983 .
وكان لذلك أوّل نشاط يقوم به بعد عودته من هذا الرّحلة إلى أرض الوطن ، هو اشتغاله بالصحافة، فأصدر سنة 1925 جريدته الأولى (الجزائر).
إلاّ أنّ المحتل لم يصبر على أصالة توجه هذه الصحيفة وحرارة لهجتها، فسارع إلى وأدها بعد صدور ثلاثة أعداد فقط منها.
بيد أنّ الزّاهري لم تثن تلك المظالم عزمه على مواصلة جهاده في هذا الميدان، فاستمر ينشر آراءه وأفكاره في بعض الصّحف الوطنية، كما أصبح سنة 1933 يرأس مع الشيخ الطيب العقبي تحرير جريدتي (السّنة والشريعة) وهاتان الجريدتان من أوّل ما أصدرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من صحف.
ثم لم يلبث الزاهري الصحفي أن أصدر مجموعة من الجرائد هي: (البرق سنة 1927) (الوفاق 1983)، (المغرب العربي 1947).
4- الزاهري الأديب:
كان الزاهري- إلى جانب مشاركته في هذه النشاطات الإصلاحية الوطنية : مصلحا ومربيا وصحفيا – أديبا لامعا من أدباء جيل النّهضة في الجزائر، هؤلاء الذين فتحوا عيونهم على مأساة أمتهم، وهي تدفع عن نفسها هجمة الغزاة المستدمرين الفرنسيين، وتتصّدى لإحباط مخططاتهم التغريبية ضد قيمهم ومقومات شخصيتهم . فاندمج هؤلاء الأدباء في حلبة هذا الصّراع ينافحون بالكلمة المجاهدة، الكلمة المسؤولة، الكلمة المعبرة عن أمتهم ، ويواكبون حركة جهادها، ويرسمون الطريق أمامها نحو النّهوض والتحرر والتقدم .
كان الزاهري يزاوج بين الصناعتين ، ولذلك توزّع أدبه بين الشعر والنشر، فقد كان شاعرا بين الشعراء ، وكاتبا بين الكتّاب، وخطيبا بين الخطباء.
بدأت ميوله الشعرية تأخذ مكانها من اهتماماته في فترة مبكرّة من حياته ، تعود إلى المراحل الأولى من تعلّمه بجامع الزّيتونة بتونس ” كثيرا ما أعرض عليه – يقصد شيخه بالزّيتونة معاوية التميمي- القصيد فيعيب علّي منه أشياء، فمازلت كذلك حتّى أصبحت إذا قلت قصيدة عرفت ما سيعيبه علي فيه من الأشياء من قبل أن أعرضه عليه، لأنه إذا عاب شيئا يبيّن وجه العيب فاتنحى عنه”. مـحمد الهادي السنوسـي – شعراء الجزائر في العصر الحاضر ج1 ص:67.- المطبعة التونسية – تونس.1926.
كما يذكر الزاهري عن بداية تعاطيه نظم الشعر، ما يؤكد أنه كان يميل – كمعظم الشعراء الناشئين – إلى الولوع بالغريب، والحرص على استخدامه في نتاجه، ظنا منه أن الشاعرية إنما تتحقق بقدر ما يتوفر عليه النتاج الشعري من خاصية الإغراب.
إلا أنه أدرك بعد أن سار أشواطا في هذا الطريق، أن قيمة التجربة الشعرية، إنما تتحقق بقدر ما تشتمل عليه من صدق الشعور، وبما تتوفر عليه من وجوه المواءمة بينها وبين الصورة اللفظية المعبرة عنها.
وكان الزاهري الشاعر في الوقت ذاته كاتبا يدبج المقالات، يرتجل الخطب، يسهم في كتابة بعض الصور من الفن القصصي: فكان بذلك أحد رواد الفن القصصي في الجزائر.
يتميز أدب الزاهري كمعظم نتاج جيله من أدباء النهضة في مضمونه وفي مراميه بالالتزام بالرسالة الواقعية النضالية، والمزاوجة في صورته اللفظية ما بين خصائص النموذج الفني التراثي، وبين ما استجد في عصره من صور وأساليب.
وفاته :
استمر الزاهري حاملا راية النضال في مختلف ميادين الكفاح الوطني مصلحا ومربيا وصحفيا وسياسيا وأديبا طوال عقود النهضة الوطنية، والأعوام الأولى من ثورة نوفمبر المجيدة ، إلى أن لقي مصرعه- رحمه الله- في ساحتها في الفاتح من جانفي 1956.