1/ اسمه ومولده ونشأته:
هو السعيد بن محمد الشريف بن العربي بن يحيى بن الحاج بن أيت سيدي محمد الحاج، ولد بقرية ثيفريث ناث لحاج، بلدية أزفون دائرة عزازقة، ولاية تيزي وزو، ينسب إلى الأشراف الأدارسة، ولد حوالي عام 1279هـ الموافق لـ 1862م، تلقى تعليمه الأول في قريته على يد والده –الإمام المدرس- فحفظ القرآن الكريم وأتقنه رسما وتجويدا وهو ابن اثنتي عشرة سنة، كان ذلك حوالي 1847م، والتحق بعدها بالمعهد اليلولي ومنه تخرج.
من أبرز شيوخه: والده محمد الشريف، والحاج أحمد أجذيذ والشيخ محمد السعيد بن زكري –مفتي الجزائر- والشيخ محمد بن بلقاسم البوجليلي.
2/ أبو يعلى الزواوي في سورية:
دخل الشيخ أبو يعلى السجن، وحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة سبع سنوات إثر عراكه مع شخص اعتدى على والده انتهى بهلاك خصمه، لكن أفرج عنه بعد ثلاث سنوات لحسن سلوكه، وقد استغل فترة تواجده في السجن لتعلم اللغة الفرنسية على يد مدير السجن مقابل تعليمه اللغة العربية، وهو ما ساعده على الحصول على وظيفة كاتب في القنصلية الفرنسية بدمشق بدعم من صديقة الحميم محمد السعيد بن زكري، مفتي المالكية بجامع الكبير آنذاك (بالجزائر العاصمة)، كان ذلك سنة 1912م.
وحسب ما صرح به أحد أقارب الشيخ أبي يعلى الزواوي[1]، فإن الإدارة الفرنسية قد أرسلت هذا الأخير إلى سورية لإقناع الجزائريين المقيمين هناك بالتجنس بالجنسية السورية لتفادي رجوعهم إلى أرض الوطن متأثرين بالأفكار التحررية التي ظهرت بالشام، وفي المقابل وعدته بمنصب الإفتاء بالجزائر.
رحل أبو يعلى الزواوي إلى سورية رفقة زوجته وابنه يحيى وابنته ربيعة، وهناك ولدت له ابنته الثانية كلثوم.
أبى الشيخ أبو يعلى الزواوي وعز عليه أن ينساق وراء السياسة الفرنسية الاستدمارية، فأخذ يحث الجزائريين على ضرورة الرجوع إلى أرض الوطن، الشيء الذي جعل الإدارة الفرنسية تتيقن من استحالة احتوائه، فتخلت عنه وعاد إلى أرض الوطن سنة 1920م على حسابه الخاص بعد أن أقام في القاهرة بعضا من الوقت، أين استزاد من العلم بلقاء أهل العلم وأعلام النهضة فيها، وممن جالس وصحب هناك نذكر: محمد الخضر حسين الجزائري، الطاهر الجزائري ومحمد رشيد رضا.
3/ عودته إلى الجزائر:
عاد الشيخ أبو يعلى الزواوي إلى الجزائر سنة 1920م بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فأقام مدة من الزمن في بلاد الزواوة ثم استقر بعدها في الجزائر العاصمة حيث تولى إمامة جامع سيدي رمضان بالقصبة بصفة رسمية، فقد تبنى الفكر السلفي الإصلاحي بقوة وحماس كبيرين، وعاش محاربا لمظاهر الشرك والبدع والخرافات، وهو الذي عرف بحرية التفكير والتعبير والتحرير.
وقف صامدا أمام العوائق والمغريات يثبت الحق ويبطل الباطل، لم يقيد الوظيف الذي تقلده لسانه ولم يحد من نشاطه، ولم تنفع تهديدات السلطات الفرنسية بفصله من إمامة الجامع في إسكات صوت الحق فيه ولا في الحد من إقدامه على الدفاع عن الدين والفضيلة والعقيدة الصحيحة واللغة العربية والوطن.
كانت السلطات الفرنسة تقتطع من راتبه وتحرمه من مميزات يتمتع بها أمثاله من المدرسون والمفتون آنذاك بسبب فكره الإصلاحي وتأييده لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كيف لا وهو الذي كانت خطبه المنبرية فريدة، يخطب في الناس فتتحول خطبه إلى دروس لا ينتهي منها إلا وكل من في المسجد قد فهمها.
هذا وكانت له بعدها تنقلات في طلب العلم والدعوة إلى الله تعالى، منها ماكان إلى بجاية ومنها ما كان إلى البليدة.
4/ أبو يعلى الزواوي وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين:
كان الشيخ أبو يعلى الزواوي من المؤسسين الأوائل لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، تولى الرئاسة المؤقتة للجمعية حينها إلى غاية انتخاب مجلسها الإداري ورئيسها العلامة عبد الحميد بن باديس، ليترأس بعدها لجنة العمل الدائمة بعد انسحاب رئيسها عمر إسماعيل، وهي لجنة كونت من الأعضاء المقيمين في العاصمة لإدارة شؤون الجمعية لما كان أغلب أعضاء المجلس الإداري المنتخب مقيمين خارج العاصمة، كما ترأس أيضاً لجنة الفتوى التابعة للجمعية، وقد نشرت له في “البصائر” لسان حال الجمعية عدة فتاوى ومقالات.
5/ مؤلفاته:
لقد ألف الشيخ أبو يعلى الزواوي رحمه الله في مواضيع مختلفة وفي قضايا شغلت الفكر الإسلامي في عصره: كقضايا المرأة، الإصلاح، تحكيم الشريعة وإصلاح نظم التعليم وغيرها من الموضوعات، كما يظهر لنا من خلال سردنا لبعض من مؤلفاته وكتاباته:
1.”الإسلام الصحيح”: مطبوع بمطبعة المنار، مصر، سنة 1345هـ.
2.”جماعة المسلمين”: فرغ منه سنة 1367هـ الموافق لـ 1948م، وطبع بمطبعةالإرادة، بتونس، في رمضان 1368هـ الموافق لـ 1949م.
3.”خطب الجمعة”: مطبعة باستيد، جوردان، الجزائر، عام 1924م.
4.”تاريخ الزواوة”: فرغ من تأليفه سنة 1918م وهو في القاهرة ونشره في دمشق سنة 1924م، وقدم له الشيخ الطاهر الجزائري والشيخ السعيد اليجري (وقد أعيد طبعه في الجزائر، وزراة الثقافة/ 2005م).
و الكتاب في سبعة فصول: الفصل الأول في فضائل التاريخ والثاني والثالث في نسب الزواوة ومحامدهم والرابع في زواياهم وعلمائهم وخدمتهم للغة العربية والخامس فيبعض عاداتهم والسادس في الإصلاح المطلوب والسابع في لائحة نظام تعليم مقترح وبيان طريقة التعليم.
5.”فصول في الإصلاح”.
6.”مرآة المرأة المسلمة”.
7.”ذبائح أهل الكتاب”، مطبوع لكنه مفقود.
8.”الفرق بين المشارقة والمغاربة في اللغة العامية”.
9.”الخلافة قرشية”.
10.”الكلام في علم الكلام”.
11.”الغنى والفقر”.
12.”أسلوب الحكيم في التعليم”.
6/ مقالات أبي يعلى الزواوي:
كتب الشيخ أبو يعلى الزواوي في جريدة “المقتبس” التي كانت تصدر بدمشق، وفي جريدة “البرهان” التي كانت تصدر بطرابلس الشام، وفي جريدة “المؤيد” المصرية و كذا “ثمرات العقول” البيروتية و”المجلة السلفية” بمصر.
واستمر كذلك حتى بعد عودته إلى الجزائر، حيث واصل في نشر بحوثه وآرائه في الصحف، فكتب في جريدة “النجاح” مدة ثم في مجلة “الشهاب” وكذا في جريدة “الإصلاح” للطيب العقبي التي قلَّما خلا عدد من أعدادها من شيء من كتاباته، هذا وكانت له مقالات في كل جرائد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد تأسيسها.
7/ شخصيته وصفاته:
كان الشيخ أبو يعلى الزواوي من كبار العلماء الأحرار وكان لحضوره المحاكمات الشهيرة لزعماء ثورة 1871م وعلى رأسهم الشيخ الحداد وسي عزيز وما نجم عنها من مصادرات لأملاكهم الأثر الكبير في تكوين شخصيته، فجعلت منه رجلا محبا للحرية رافضا لكل أشكال الخضوع والإهانة، عرف بشجاعته وطيب سريرته وحسن سيرته ورقة قلبه ورهافة حسه، كان سلفي العقيدة ، بليغ القلم، وفيا لمبادئه، لقب بشيخ الشباب وشاب الشيوخ، كما عُرف بتواضعه للحق وقبوله النصيحة …
8/ فكر الشيخ أبي يعلى الزواوي:
تقوم أفكار الشيخ أبي يعلى على:
أولا: الرجوع إلى الإسلام الصحيح
والذي يتجلى في تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، فالجزائر التي كانت تقبع آنذاك تحت نير الاحتلال الفرنسي قد تقوضت فيها أركان الحكومة المسلمة، فلم يكن هناك من حل إلا في تنشيط جماعة المسلمين، يقول الشيخ أبو يعلى في كتابه: “جماعة المسلمين، صفحة 6: (…وعليه فتعطيل الخلافة والقضاء التابع لها كما تقدم وفقدان الحسبة تعطيل للإسلام وخروج عنه والعياذ بالله و بقي العمل لجماعة المسلمين وهو في نظرنا آخر منزع بقي في قوس المسلمين، وإلا فهم مسلمون بلا إسلام عياذا بالله)[2]، والمقصود بجماعة المسلمين هنا ما زاد عن شخصين اثنين.
ثانيا: محاربة البدع والخرافات
التي تعتبر السبب الرئيسي في مأساة المسلمين، وما نتج من تدهور وانحطاط فكري واستسلام سياسي بسبب تفرق المسلمين وتمزقهم وتشتتهم وتشيعهم وما ترتب عنه من انتشار للحروب والفتن وتفشي المنكرات والبدع التي أبعدت المسلمين عن دينهم، جاء في كتابه “الإسلام الصحيح”، صفحة 116: […وبعد هذا فالإسلام الصحيح هو ما كان عليه النبي وأصحابه، إذا أردنا العمل وكنا مصدقين بذلك فما علينا إلا مراجعة الكتاب السماوي والكلام النبوي من الأوامر والنواهي ثم سيرة النبي وأصحابه، وقرنهم خير القرون، فنعمل بما ثبت وصح من ذلك كله، إذ لا نكلف غير ذلك، ونعبد الله إلها واحدا ولا نشرك به أحدا، ونقلل من المشارب والمذاهب ومن الطرق والسبل][3]، هذا واستنكر الشيخ أبو يعلى حرمان المرأة من الميراث في منطقة القبائل ودعا إلى ضرورة احترام حقوقها المضمونة شرعا.
لقد تبنى الشيخ أبو يعلى الزواوي المنهج السلفي الذي عرفه بأنه إتباع ما ثبت عن الله وعن رسوله من غير كثرة التأويل والدخول في الأخذ والرد من الجدل في المتشابه وإيراد الشبه والرد عليه، فكان المذهب الحق بالنسبة إليه هو مذهب القرآن الكريم: ﴿…قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ(91)﴾[سورة الأنعام]، وقد قال عن نفسه في كتاب: “الإسلام الصحيح”، الصفحة 94: [أما أنا ومن على شاكلتي من إخواني الكثيرين فلا شريعة لنا ولا دين ولا ديوان إلا الكتاب والسنة وما عليه محمد صَلى الله عليه وسلم وأصحابه وعقيدة السلف الصالح…].
ثالثا: الدعوة إلى الاجتهاد ونبذ الجمود والتقليد
فكان يرى أن: [كل المذاهب فاضلة وصحيحة…لأن أصحابها “أئمة مجتهد وغير معصومين لا محالة، فهم سواء في الاجتهاد وسواء أيضا في عدم العصمة، وكان الإمام مالك يقول: كل أحد يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلا صاحبَ هذا القبر يعني النبي صَلى الله عليه وسلم] [الإسلام الصحيح، صفحة 37].
رابعا: الدعوة إلى بعث التعليم العربي
يرى الشيخ أبو يعلى الزواوي أن ضعف التعليم العربي في الجزائر يعود إلى الأسباب التالية:
- افتقار الجزائر إلى مركز تعليم عال من نوع جامع الزيتونة بتونس وجامع القرويين في المغرب.
- عدم تشجيع الحكام العثمانيين للتعليم العربي لكونهم عجما.
- فشل طرق التدريس المنتهجة في الزوايا لعدم شمولها للعديد من المواد ولاقتصارها على السمع دون التدوين.
- محاربة فرنسا للتعليم العربي جراء تطبيق سياسة الفرنسة الذي تسببت في قلة الإقبال على الزوايا والكتاتيب حتى صار الناس يجهلون اللغة العربية و الشريعة الإسلامية، وما زاد الطينة بلة أن الإدارة الفرنسية أعطت الأولوية والأهمية للغة الفرنسية حتى في المدرسة الثعالبية المتخصصة في تكوين الأئمة ورجال القضاء ومدرسي اللغة العربية.
لقد كرس الشيخ أبو يعلى لسانه وقلمه للتصدي لظاهرة العزوف عن تعلم اللغة العربية ودراسة الإسلام، وقد بلغ به الأمر حد اعتبار الجزائريين المعرضين عن تعلمها مرتدين و خارجين عن الإسلام، جاء في كتابه: “جماعة المسلمين”، صفحة 33: […فقد تقدم لي القول في الجرائد وفي خطبي الجمعية أن الذي يقدم على تعليم إفرنكي وهو عربي مسلم ويخلف أو يترك التعليم العربي المسلم فهو ليس بعربي ولا بمسلم، فمن قال بغير هذا فليس أيضا بعربي ولا مسلم أو راض بتسليم لسانه وقرآنه وإسلامه][4].
9/ من مواقفه السياسية:
لقد وظف الشيخ أبو يعلى الزواوي خطبه ودروسه ومقالاته لفضح مظالم فرنسا التي عملت على تقويض أركان الإسلام ولغته وتمزيق شمل الشعب الجزائري الذي يجمعه الدين والوطن، ومن مواقفه المشرفة عدم خضوعه لضغوط فرنسا الهادفة إلى إجباره
على توقيع العريضة التي قدمها خصوم الحركة الإصلاحية للسلطات الفرنسية يطلبون فيها إبقاء الشؤون الدينية تحت إشراف هذه الأخيرة، مخالفين بذلك أهداف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كما وجه نداءً صارخا إلى المسلمين في العالم بأسره يدعوهم إلى النهضة ونبذ اليأس والاعتصام بحبل الله تعالى والعمل على تنظيم شؤونهم، جاء في كتابه: “جماعة المسلمين”، صفحة 15: [النهوض يا عباد الله، يا معشر العرب خصوصا والمسلمين عموما، هبوا، أفيقوا، استفيقوا، و لا تيأسوا من روح الله، واعتصموا بحبل الله][5].
10/ وفاته:
توفي الشيخ أبو يعلى الزواوي رحمه الله في 2 جوان 1952م إثر مرض عضال عن عمريناهز التسعين سنة، وشيع جنازته جمع غفير من الناس وعدد كبير من رجال العلم والفضل، وصلى عليهالشيخ الطيب العقبي، ودفن بزاوية عبد الرحمن الثعالبي بجوار صديقه الشيخ محمد سعيد بن زكري.
* قيل في الشيخ أبي يعلى الزواوي:
– قال الشيخ الطيب العقبي في تقريظه لكتاب “جماعة المسلمين”:
أبو يعلـى إمـام الحق فينا وشيـخ شباب المصلحينا
دعا بدعاية الإسـلام قبـل الديـن اللـه رب العـالمينا
فأبدع في اختصار القول ردا على فئـة الضلال المفسدينا
وقد غضبوا لقول الشيخ فيه وظلـوا في الضلالة تائهينا
فلم يعبأ بمافعلـوا ولكـن تمادى يخـدم الحـق المبينا
– قال الشيخ مبارك الميلي:
“الشيخ الجليل العالم السلفي الأستاذ أبي يعلى الزواوي الذي لقبه الأخ الشيخ الطيب العقبي شيخ الشباب وشاب الشيوخ وكل من عرف هذا الشيخ وأنصفه اعترف له بهذا اللقب وسلم له هذا الوصف”.
– قال أحمد توفيق المدني:
“وإذا ذكرت الرجال بالأعمال فإني أذكر العلامة الكبير الشيخ سيدي أبا يعلى السعيد الزواوي، أذكره بتأليفه القيم”الإسلام الصحيح” الذي نسف به الخرافات والأوهام في الأفكار العامة”.
رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته.
الهوامش:
[1]- محمد أرزقي فراد، أزفون تاريخ و ثقافة، الطبعة الثانية مزيدة و منقحة، دار الأمل، الجزائر عاصمة الثقافة العربية، 2007م، ص115. [2]محمد أرزقي فراد، المرجع السايق، ص116. [3]محمد أرزقي فراد، المرجع السايق، ص117 و 118. [4]محمد أرزقي فراد، المرجع السايق، ص120. [5]محمد أرزقي فراد، المرجع السايق، ص122.