التقيت واحدا من معارفي الأقدمين، فسلّم وسلمت، وحيّا وحيّيت، واطمأنّ عن الأحوال واطمأنت، ثم رسم على شفتيه ابتسامة “باردة” كما يقول الإنجليز، أو “صفراء” كما نقول نحن، وقال: إن الناس يتساءلون ويستغربون…
فقلت: “عمّ يتساءلون؟”، وممّ يستغربون؟ عن كثرة ما يدعو إلى التساؤل وإلى الاستغراب، والتعب.. ألم يقل الإمام الإبراهيمي: “من عاش في الجزائر رجبا، رأى عجائب لا عجبا”.
قال محدثي: إن التساؤل والاستغراب سببهما هو سكوتك عن “فضيحة” و”وقاحة” حذف البسملة من أكثر الكتب المدرسية…
قلت: بل أنا الذي تساءلت عن هذه “الضجة” واستغربت من أصحابها..
فحدثني بنظرة وقال: عرفني ما لا أعرف..
قلت: ألم تقرأ أو تسمع المثل القائل: “الشيء من مصدره لا يستغرب”.. قال: بلى، قرأت، وسمعت.
قلت: فما الداعي إلى التساؤل والاستغراب؟ ولو تساءلت واستغربت من حذف البسملة وما فعل قبل ذلك، وما هو آت لكنت “خبّا”، وأنا – إن شاء الله، والحمد لله – “لست بالخبّ، ولا الخب يخدعني”، كما قال عملاق المسلمين وفاروقهم، عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه وأرضاه..
ولذلك فقد وطّنت نفسي على أن الخير لا يمكن أن يأتي من غير مصدره، ولو فعلت لكنت “كمن يطلب الفص من اللص”.
إن الذي استغربت منه هو “جبان” من فعل ذلك.. وعدم تحمله المسئولية.. وإنني أحترم “ابليس” الجني، لأنه ليس منافقا..
هزّ صاحبي رأسه، وقبل أن يهم بالانصراف، أسمعته مقولة المفكر والفيلسوف البريطاني برتراند رسل، وهي “التربية أوكلت لمن هبّ ودب تحت رعاية الدولة.. وهمهم الوحيد من التربية هو الدعاية والديماغوجية”.
(مجلة معالم. المجلس الأعلى للغة العربية. ع6. سنة 2013. ص111).