الرئيسية / مقالات و دراسات / مقالات جزائرية / دخان اليأس – الأستاذ محمد الهادي الحسني

دخان اليأس – الأستاذ محمد الهادي الحسني

Print Friendly, PDF & Email

قضى الله ـ عز وجل ـ أن تكون العلاقة بين المؤمنين علاقة أخوّة،‮ ‬فقال‮: “‬إنما المؤمنون إخوة”؛ وأن تكون أمتهم أمة واحدة،‮ “‬وأن هذه أمتكم أمة واحدة‮”‬،‮ ‬رغم انتشارهم على هذه الرقعة الجغرافية الواسعة،‮ ‬المعروفة باسم‮ “‬العالم الإسلامي‮”.‬

من دلائل هذه الأخوة وعلامات هذه الوحدة أن تجد هنا أو هناك أسرا أو عروشا أو قبائل تحمل اسما واحدا رغم تباعدها عن بعضها آلاف الأميال،‮ ‬ومهما أنسى لا أنسى ما قرأته في‮ ‬إحدى اللافتات الكبيرة في‮ “‬أبو ظبي‮” ‬ـ ديسمبر‮ ‬1976‮ ‬ـ وهو‮: “‬قبائل الرڤيبات تهنئ الشيخ زايد‮”‬،‮ ‬وفور قراءتها ورد على ذهني‮ ‬اسم قبائل الرڤيبات في‮ ‬الصحراء الغربية‮..

‬فهذه في‮ ‬مغرب الشمس،‮ ‬وتلك في‮ ‬مشرقها‮.. ‬ويمكن أن ندخل في‮ ‬الألقاب تحت ما سمّاه أحد قدماء الكتاب‮ “‬المتفق وضعا المختلف صقعا‮”‬،‮ ‬وهو اسم كتاب،‮ ‬ويعني‮ ‬بذلك تلك الأسماء المتفقة في‮ ‬وضعها،‮ ‬ولكنها مختلفة في‮ ‬صقعها،‮ ‬فمدينة المنصورة ـ مثلا ـ توجد في‮ ‬تلمسان،‮ ‬وتوجد في‮ ‬ولاية برج بوعريريج،‮ ‬وتوجد في‮ ‬مصر،‮ ‬وقد توجد مدن أو بلدات تحمل الاسم نفسه في‮ ‬أصقاع أخرى،‮ ‬وكذلك مدينة طرابلس الموجودة في‮ ‬ليبيا وفي‮ ‬لبنان،‮ ‬ومدينة‮ “‬صيدا‮” ‬الموجودة في‮ ‬جنوب لبنان،‮ ‬وقرية‮ “‬صيدا‮” ‬الموجود في‮ ‬بلدية بني‮ ‬ياجيس،‮ ‬دائرة جيملة،‮ ‬ولاية جيجل‮.. ‬وهي‮ ‬قريبة من مسقط رأسي‮..‬

وما أذكره أن أحد الإخوة الكويتيين كان مهتما بالقبائل العربية،‮ ‬وقد لاحظ أن بعضها لم‮ ‬يعد له ذكر في‮ ‬الجزيرة العربية،‮ ‬فظن أنها انتقلت إلى العراق أو الأردن أو الشام أو مصر‮.. ‬ولكن لم‮ ‬يجد لها ـ بعد البحث ـ أثرا‮.. ‬وكانت مفاجأته ـ عند تعيينه للعمل في‮ ‬السفارة الكويتية في‮ ‬الجزائر في‮ ‬أوائل التسعينيات ـ أنه وجد تلك الأسماء أو بعضها في‮ ‬الجزائر‮.. ‬وقد بدأ‮ ‬ينشر مقالات عن ذلك في‮ ‬جريدة‮ “‬السلام‮” ‬التي‮ ‬كانت تصدر في‮ ‬الجزائر أيّامئذ،‮ ‬وكان‮ ‬يرأسها الأخ محمّد عباس‮…‬

هذه المقدمة الطويلة نسبيا سببها ما فزت به من تحفة أدبية في‮ ‬معرض الكتاب في‮ ‬هذه السنة،‮ ‬وهو ديوان الشاعر الجزائري‮ “‬المجهول‮” ‬مبارك بن محمد جلواح،‮ ‬الذي‮ ‬سماه‮ “‬دخان اليأس‮”.‬

كنت قد نشرت مقالا عن هذا الشاعر في‮ ‬الجريدة الشروق في‮ ‬13‮ ‬ـ‮ ‬9‮ ‬ـ‮ ‬2012،‮ ‬لأنني‮ ‬قرأت في‮ ‬أحد أعداد مجلة‮ “‬العربي‮” ‬الكويتية مقالا لكاتب سعودي‮ ‬يحمل اللقب نفسه،‮ ‬وتساءل إن كانت هناك قرابة بين الأسرتين‮..‬؟

لقد زار هذا الكاتب ـ الشاعر محمد الجلواح الجزائر،‮ ‬وأجرى اتصالات مكّنته من لقاء أفراد من أسرة مبارك جلواح،‮ ‬ومنهم ابنته الوحيدة،‮ ‬والتقى المهتمين بالشاعر مثل الدكتور عبد الله الركيبي‮ ‬الذي‮ ‬نشر كتابا عن جلواح،‮ ‬والدكتور رابح دوب الذي‮ ‬كان جلواح موضوع رسالته للماجستير،‮ ‬وقد أحسن الأستاذ محمد الجلواح إذ نشر فصولا مختارة من هذه الدراسة،‮ ‬فكانت نعم المعين على فهم نفسية مبارك جلواح،‮ ‬والظروف التي‮ ‬أحاطت به وبوطنه،‮ ‬والحوادث التي‮ ‬عاشها،‮ ‬سواء كانت خاصة أم عامة‮…‬

وهنا أشير ـ مرة أخرى ـ إلى أنني‮ ‬لا أميل إلى ما مال إليه من رجّح انتحار مبارك جلواح،‮ ‬رغم ما‮ ‬يشيع في‮ ‬شعره من ذكره الانتحار‮.. ‬وأرجح ـ حدسا ـ فكرة الاغتيال من بعض العناصر اليهودية،‮ ‬لما أشيع عن جلواح من‮ “‬العمل‮” ‬مع النازيين عند احتلالهم جزءا من فرنسا،‮ ‬ومنه باريس،‮ ‬وتعاطفه معهم،‮ ‬ومَن من الجزائريين الخُلّص لم‮ ‬يتعاطف مع الألمان،‮ ‬الذين فرّ‮ ‬الفرنسيون أمامهم دون مقاومة‮.. ‬كما لا أستبعد تورط بعض‮ “‬الجزائريين‮” ‬المشرفين على مسجد باريس لعداوتهم لحركة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي‮ ‬كان جلواح عضوا فيها،‮ ‬داعيا إلى مبادئها،‮ ‬عاملا في‮ ‬صفوفها،‮ ‬ويكفيه أن‮ ‬يكون من المشرفين على‮ “‬نوادي‮ ‬التهذيب‮”.. ‬وقد تبدي‮ ‬لنا الأيام ما كنا جاهلين‮…‬

لقد ظهر عمل الأستاذ محمد الجلواح في‮ ‬ترتيب قصائد الديوان ترتيبا ألفبائيا،‮ ‬وبذل جهدا طيبا في‮ ‬شرح كلماته ومفرداته،‮ ‬وإن كانت بعض الأسماء تحتاج إلى شرح مثل‮ “‬فتى ندرومة‮” (‬65‮) ‬و”ليث ندرومة‮” (‬ص‮ ‬109‮) ‬اللذين أرجح أنه‮ ‬يقصد بهما القائد الكبير،‮ ‬مؤسّس الدولة الموحدية وموحّد أقطارها عبد المؤمن بن علي،‮ ‬ومدينة البليدة التي‮ ‬سها الشارح وظنها شرق الجزائر‮ (‬ص‮ ‬157‮)‬،‮ ‬والحال أنها تقع جنوب‮ ‬غرب مدينة الجزائر‮…‬

لقد سعدت بلقاء الأستاذ محمد الجلواح،‮ ‬وتكرم فأهداني‮ ‬نسخة من الديوان،‮ ‬حلاّها بكلمة تدل على نبله وفضله،‮ ‬ومن هذا النبل والفضل سعيه لربط الاتصال مع من تساءل إن كانوا من ذوي‮ ‬قرباه رغم بعد الشقة‮.. ‬وليبشر الأخ محمد أننا جميعا ـ كما أسلفت ـ‮ ‬يؤاخي‮ ‬بيننا الإيمان،‮ ‬ويجمعنا الإسلام‮.. ‬كما تفضل فأهداني‮ ‬الجزء الثاني‮ ‬من كتاب له‮ ‬يحمل عنوان‮ “‬فضاءات‮”‬،‮ ‬وهو عبارة عن مقالات نشرها هنا وهناك،‮ ‬ومن ضمنها مقال عنوانه‮: “‬جلواح الجزائري‮” (‬235‮ ‬ـ‮ ‬241‮)‬،‮ ‬وهو المقال المنشور في‮ ‬العدد‮ ‬583‮ ‬من مجلة‮ “‬العربي‮”‬،‮ ‬وعزّز إهداءه بثالث الذي‮ ‬هو أحد دواوينه الشعرية‮ ‬يحمل عنوان‮ “‬نزف‮”‬،‮ ‬وفيها قصيدة جميلة عنوانها‮ “‬تحيا الجزائر‮”‬،‮ ‬منها‮:‬

هرعت لـ‮ (‬لمليون‮) ‬ينزف عشقا‮     ‬وخلودا،‮ ‬وصرخة في‮ ‬الضمائر

لبلاد تموج في‮ ‬مقل العرب مثالا،‮   ‬مضى مثالا وسائر

يا جبال‮ (‬الأوراس‮) ‬جئتك مشتاقا‮  ‬وفي‮ ‬خاطري‮ ‬وجيب المسافر

كدت أن أمتطي‮ ‬إليك بساطا‮      ‬نسجته الرياح،‮ ‬فلكا،‮ ‬وثائر

آه،‮ ‬ما أطول السويعات جوّا‮   ‬وهي‮ ‬تنحو إليك‮.. ‬فوق المعابر

فاسمعي‮ ‬قلبي‮ ‬الشغوف كطفل‮   ‬يتهجّى حروفه،‮ ‬ويثابر

وبنبضي‮ ‬عزفت لحنا مذابا‮   ‬كرضاب الحبيب‮: (‬تحيا الجزائر‮)‬

فشكرا للأخ الأستاذ محمد الجلواح من إخوانه‮ (‬الجلواحيين‮) ‬في‮ ‬الجزائر،‮ ‬لأن المعنى اللغوي‮ ‬لـ‮ “‬جلواح‮” ‬ـ كما ذكره اعتمادا على الفيروز آبادي‮ ‬في‮ ‬قاموسه المحيط ـ هو‮ “‬الأرض الواسعة‮”‬،‮ ‬وما أوسع الجزائر لولا أن ضيقها علينا السفهاء،‮ ‬الذين‮ “‬كبروا في‮ ‬العمر،‮ ‬وصغوا في‮ ‬العقل‮”.‬

عن عمار رقبة الشرفي

- مجاز في القراءات العشر المتواترة من طريق الشاطبية والدرة. - مجاز في الكتب التسعة بالسند المتصل وبعدد من كتب الحديث الشريف. - شهادة تخرّج في العلوم الشّرعية والعربية من معهد بدرالدّين الحسني بدمشق. - شهادة الدّورة التّأهيليّة للدّعاة. - إجازة تخرج (ليسانس) من معهد الدّعوة الجامعي (فرع دمشق) في الدراسات الإسلاميّة والعربيّة. - ديبلوم ماجيستير في الفقه المقارن (تحقيق جزء من كتاب عيون الأدلّة - للقاضي أبي الحسن علي بن أحمد المالكي البغدادي المعروف بابن القصار (ت :398هـ - 1008م- قسم المعاملات. - مؤسس ومدير معهد اقرأ للقرآن وعلومه، باب الزوار- الجزائر العاصمة http://iqraadz.com/ - المؤسس والمشرف العام على موقع المكتبة الجزائرية الشّاملة http://www.shamela-dz.net/

شاهد أيضاً

الشيخ العثماني في ذمة الله تعالى – الأستاذ محمد الهادي الحسني

“كل شيء هالك إلا وجهه”، “ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام”، ذلك قضاء من له …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *