ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بخبر وفاة الأخ العزيز الأستاذ علي بوناب الملقب بأب الأيتام، الذي انتقل إلى رحمة ربه يوم الثلاثاء الماضي باسطنبول بعد رحلة علاج طويلة مع مرض السرطان..
وكان المغفور له بإذن الله أيقونة العمل الخيري ويملك من التواضع الكثير، محبا للعلم وأهله، قريبا للقلوب حتى تكنّى بأبي اليتامى، و تميز بتقديم برامج وحصص تلفزيونية حول الطفولة والمراهقة.
عضو مؤسس لجمعية كافل اليتيم الوطنية سنة 2011م، عضو مؤسس في جمعية قوافل الخير سنة 2016م.
أكمل دراسته في جامعة تركية وتحصل على شهادة الماجستير تخصص علم النفس. كان بصدد إكمال مذكرة التخرج لشهادة الدكتوراه.
لديه عدة مشاريع خيرية وقفية كوقف الآبار في صحراء الحزائر ووقف الحيوان ووقف سيارات الإسعاف..
وجه من وجوه قناة القرآن الكريم..
ولقد نعته الإعلامية في هذه الإذاعة كلثوم اسمهان بقولها: “لقد فقدت الساحة الجزائرية الداعية الإعلامي والمتطوع في العمل الخيري”، وتضيف:
“أنها بفقده فقدنا سندا لنا كبير في العمل التطوعي المؤسس في بلادنا الجزائر..”.
كتب رفيق دربه الشيخ والإمام عمار رقبة الشرفي (مدير معهد اقرأ للقرآن وعلومه) إلى أنه إلى آخر لحظة من حياته كان يسعى في فعل الخير ونشر العلم الشرعي حيث طلب منه تنقيح مذكرة الماجستير وطبعها وقفا في سبيل الله عنه وعن والديه..
ونحن إذ ننعى الأخ والأستاذ الفاضل الكريم المعطاء الداعية إلى فعل الخير والمسارعة فيه نود أن نبشره ونبشر أهله وإخوانه بثلاث بشارات:
الأولى: وفاته إثر إصابته بداء السرطان وكلنا يعرف مدى خطورة هذا المرض… فلقد ثبت في صحيح السنَّة أنواع من الشهداء لهم منازل الشهداء في الآخرة، وهذا من فضل الله تعالى ورحمته ؛فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: الْمَطْعُونُ وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”، وعن جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مَا تَعُدُّونَ الشَّهَادَةَ؟ قَالُوا: الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ. وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ. وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ. وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ. وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ. وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ. وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ .
قال الحافظ ابن حجر:قال ابن التين: هذه كلها ميتات فيها شدة، تَفضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن جعلها تمحيصاً لذنوبهم، وزيادة في أجورهم، يبلغهم بها مراتب الشهداء.. ومن مات بمرض ” السرطان ” فقد مال بعض أهل العلم إلى أنه يدخل في أنواع الشهداء الوارد ذكرهم في الحديث، على اعتبار أن “المبطون” عام لكل من مات بداء في بطنه، وأن ذلك ليس خاصا بداء معين .
قال النووي: وَأَمَّا (الْمَبْطُون) فَهُوَ صَاحِب دَاء الْبَطْن، وَهُوَ الْإِسْهَال قَالَ الْقَاضِي: وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي بِهِ الِاسْتِسْقَاء وَانْتِفَاخ الْبَطْن، وَقِيلَ : هُوَ الَّذِي تَشْتَكِي بَطْنه وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يَمُوت بِدَاءِ بَطْنه مُطْلَقًا”.
أما البشارة الثانية: ففي سعيه أثناء حياته على الأرامل والأيتام ونحن نعرف الأجر الكبير في مثل هذه الأعمال…
ولمَّا كانت المجتمعاتُ على نحو مِن وُجودِ أفرادٍ فيها يَشْكُون ضيقَ العيش، وقِلَّة ذاتِ اليد؛ فإنهم في هذه الشريعة الغَرَّاء لم يُتركوا هَمَلًا، ولم يُصْرَفِ النظَر عنهم، بل جاءت النصوصُ متتابعةً في تأكيد رعايتهم، وبذْل المعروف نحوَهم، وجاء التأكيد على أن الواجب على الإنسان أن يكُون باذلًا لهذا الإحسان، وجاء التأكيدُ في هذا المقام على عِظَم الأجْر والثواب لِمَن بادَر بالإحسان لأهل الإحسان، وفي هذا السياق جاء نصٌ عظيم، وتوجيهٌ نبويٌ شريف، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله”، وأَحْسَبه قال: “كالقائم لا يَفْتُرُ، وكالصائم لا يُفْطِرُ” متفق عليه.
يَتَحدَّث العلَّامة ابنُ بطَّال الأندلسيُّ مُبيِّنًا ما حَواه هذا التوجيه النبوي مِن الثواب العظيم، قال رحمه الله: مَن عَجزَ عن الجهاد في سبيل الله، وعن قيام الليل وصيام النهار، فلْيَعملْ بهذا الحديث، وليَسْعَ على الأرامل والمساكين، لِيُحْشَر يوم القيامة في جُملة المجاهدين في سبيل الله، دُون أن يخطُو في ذلك خُطوةً، أو يُنفِق درهمًا، أو يَلقَى عدوًّا يَرتاع بلقائه، أو لِيُحْشَر في زُمرة الصائمين والقائمين، ويَنال درجتَهم، وهو طاعِمٌ نهارَه، نائمٌ ليلَه، أيامَ حياته، فينبغي لكل مؤمنٍ أن يَحرص على هذه التجارة التي لا تَبُور، ويَسعَى على أرملة أو مسكينٍ لوجْه الله تعالى، فيَربَح في تجارته درجات المجاهدين والصائمين والقائمين مِن غير تعَب ولا نصَب، وذلك فضْل الله يؤتيه مَن يشاء.
الثالثة: كمية تفاعل الناس عند وفاته بالشهادة له بالصلاح والدعاء والترحم على روحه الطاهرة؛ ورسولنا الكريم يقول في عاقبة الشهادة بالخير للميت: “أيُّما مسلمٍ شهد له أربعةٌ قالوا خيرًا، أدخله اللهُ الجنَّة”، قلنا: أو ثلاثةٌ؟ قال: “أو ثلاثةٌ”، قلنا: أو اثنان؟ قال: “أو اثنان”
وفي رحاب هذا الحديث الشَّريف نستكشف فضلًا كبيرًا، وخيرًا وفيرًا؛ وهو الشَّهادة بالخير لأهل الخير، وهو سبَب عظيم لدخول الجنَّة، والتمتُّع بنعيمها، ونحسب أن الأستاذ علي بوناب من هؤلاء الذين ينالون الأجر الوفير على عظيم ما قدم من أعمال تشفع له وتجعله من أهل الجنة بإذنه تعالى ورحمته..