أما “la france” فهي هذه الدولة التي منذ ابتلانا الله- عز وجل- بالالتقاء بها التي جمعت “ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر” من الكيد لنا، نحن الجزائريين والتربص بنا، والائتمار علينا، حتى إننا لم نرح رائحةَ خيرٍ منها إلى يومنا هذا؛ وإنما هي هموم وغموم بعضها فوق بعض، ما إن نتخلص من بعضها حتى تلفّنا أخرى أشد وأنكى.
وأما “les arabes “، فليسوا أولئك الذين قال قائل منهم:
إذا بلغ الفطامَ لنا صبيٌّ تخرّ له الجبابر ساجدين وركّعا
وإنما هم هؤلاء “الجزائريون” الذين كانت فرنسا تسمّيهم “عربا” احتقارا لهم، وسخرية منهم، واستهانة بهم، وهم يعرفونها أكثر من معرفتهم الجزائر، ويحبّونها أكثر مما يحبّون آباءهم وأبناءهم وأزواجهم، ويؤثرونها– ولو كانت بهم خصّاصة– على أنفسهم، فضلا عن الجزائر، وهم يتمنّون أن يقبض ملك الموت الذي وكّل بهم أرواحهم ولو في مزبلة من مزابل فرنسا على أن يقبضها في جنة الجزائر، ولو خيّروا بين تلك المزابل الفرنسية وبين الجنة لاختاروا تلك المزابل.. فالشيء منجذب إلى أصله.. فـ:
السّبع سبع ولو كلّت مخالبه والكلب كلب ولو بين السباع ربّي
لقد أكد دوغول– عدوّ الجزائر الأكبر– لصديقه ووزيره آلان بيرفيت (Alain Pegrefitte) أن أمله هو تخليص فرنسا من الجزائر، التي كان أحرارها وحرائرها يكبّدون ويكبّدن فرنسا الخسائر الجمة في الأموال والأولاد.
وأنا أقول إن الخلّص من الجزائريين والجزائريات يرجون أن يبعث الله– عز وجل فيهم و“منهم” من يخلّص الجزائر من هؤلاء الذين سمّى الإسبان قديما آباءهم “mozarabes” أي “أنصاف” العرب، ولم يلدوا إلا أرباع العرب وأثمانهم.
لقد عشتُ نهاية هذا الأسبوع في محنة شديدة وكرب عظيم وأنا أرى ما ذكّرني بعنوان رواية الأديب السوداني الكبير، الطيب صالح، موسم الهجرة نحو الشمال“، حيث نفخ سلاّل في بوقه مستنفرا “هاماناته“، وتوجّه– مزوّدا بتعليمات من لا يعصي له أمرا– تلقاء “نوتر دام“- لا المسجد الحرام– ليُمطرنا بوابل من الاتفاقيات تحكم سيطرة فرنسا على الجزائر التي لم تنسها. ألم يقل “جنرالها“، الذي وضع المجاهدون الحقيقيون أنفه “الطويل” في الرغام: “لو وضعت جميع المستعمرات الفرنسية في كفة، ووضعت الجزائر في كفة لرجحت كفة الجزائر“؟ (مذكرات الأمل).
رحم الله إمامنا ابن باديس الذي قال (رواية عن الشيخ شيبان، عن الشيخ العربي التبسي): “والله، لو قالت لي فرنسا: قل: لا إله إلا الله، ما قلتها“.
إن عنوان هذه الكلمة هو لرهط من “الجزائريين” جعلوه شعارا لجريدة أصدروها في جوان 1904 سمّوها “النصيح” (انظر د. محمد ناصر، الصحف العربية في الجزائر)، وهم لا يقصدون “النصيحة” التي أمر بها ديننا الحنيف على لسان رسولنا الشريف– عليه الصلاة والسلام–، ولكن “نصيحة الفار لمول الدار” كما يقول شعبنا قبل أن يصير “غاشي“، كما وصفه بوكروح.
الذين ذهبوا إلى باريس فما عادوا إلا “بقرني حمار“، أي بلا شيء، لأن الحمار لا قرن له، وأمّا فرنسا فأقول لها: “خلا لك الجوّ فبيضي واصفري“، حتى يأتي الله بقوم يحبون الجزائر ولا يحبّونك ولو أطعمتِهم المنّ والسّلوى، وأعطيت كل واحد منهم “مرسيدس” لا “سمبول“، تقف في المنحدر، كما وقف “حمار” الشيخ في العقبة.