كما أعتز اعتزازا بالغا بالمفكر الألمعي الجزائري المهندس مالك بن نبي، صاحب مشروع النهضة والتمدن، ورجل الظاهرة القرآنية، وصاحب الرؤية الإصلاحية الشاملة، وقد شرفت بأن قدمت له كتابه الهام “في مهب المعركة” الذي طبع بالقاهرة عام 1941.
وهو من أنفس ما كتب أخي مالك من مقالات وبحوث، لأنها تكشف عن فكر رجل خبير بالأمور ساعة بعد ساعة، ثم خرج برؤية أصيلة في عمقها، مستشرفة في رؤيتها، ذلك لأنها تكشف لنا عن تاريخ الشرور التي ارتكبها الاستعمار في بلادنا، في أكبر مؤامرة على العالم الإسلامي وتوابعه، وما نحياه اليوم من نكبات ونكسات، ما هو إلا من بنات فلك الاستعمار، لا بنات فلك الشمس والقمر.
وهذا المفكر الخبير هو أفضل رجل يكشف لنا عن الظاهرة “القابلية للاستعمار” التي جعلتنا نحيا حياة كأنها نابعة من أنفسنا، ولكنها حياة الرقيق الذين ينقادون كالأنعام، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ومالك بن نبي رجل رأس مال ثقافته هو “الدين” الذي هو فطرة الإنسان، وبقدر قوة الدين وقوة فهمه تتضح المعالم في كبح الجموح، ورد الضلالة والزيغ والهوى والجور.
وهو الأصل الأصيل في ثقافة الأمم الأصيلة، وأمتنا تمتاز بين كل الأمم بهذا الأصل الأصيل المحفوظ على مدى 14 قرنا من الزمان، وهو الذي حفظ عليها ثقافتها رغم ما مرّ بها من نوازل وقوارع ونكبات، وما تسلل إليها من آفات وعلل وأمراض، جراء الحروب الصليبية التي استمرت في جاهليتها الجهلاء لأكثر من قرنين ونصف من الزمان.