ذكر الأستاذ علي رحايلية في كتابه “مواطن.. لا ابن كلب”، (ص 144-145) أنه زار “سي جمال”، وهو الاسم الحركي للمناضل الشريف بلقاسم، وسأله عن “انقلاب” 19 جوان 1965 ضد زعيمهم أحمد بن بلة الذي فرضوه على الشعب الجزائري، لأنه – ابن بلة- أراد أن “يتعشّى بهم، فتغدوا به”.
أجاب “الكومندان سي جمال”، الذي يشهد له بعض المناضلين أنه “أذكى” الجماعة المقرّبة من بومدين، أجاب سائله قائلا: “لقد أردنا تأسيس دولة، ولتأسيس الدولة التي كنا نريد، وبالطريقة التي نريد كان لا بدّ من خلق نظام بواسطته تستطيع إنجاز ما نريد.. أي نظام في خدمة الدولة، لكن الذي حدث أننا أسسنا دولة في خدمة نظام..”.
لقد عاش الجزائريون خمسا وثلاثين سنة (1965-1999) في دولة خدمت نظاما، رغم ما كان بين أفراد هذا النظام من خلافات، “تخلصوا” من بعضهم بطريقة من الطرق، ولم يبق من أفراد هذه الجماعة الذين سموا أنفسهم “مجلس الثورة”، الذي كان في أول أمره يتألف من (26 عضوا) إلا (8 أعضاء)، وحتى هؤلاء كانوا “موظفين عند بومدين” كما ذكر علي منجلي. (جريدة الشعب 9 أكتوبر 1989). وقد كان لـ”نظام” بومدين ومن بعده كثير من الحسنات وكثير من السيئات.
ثم قدّر الله – عز وجل- أن يؤول أمر هذا “النظام” إلى أحد مؤسسي هذه “الدولة” لخدمة “النظام”، فعمل هذا الذي آل إليه الأمر على أن يحول هذا “النظام” إلى خدمته هو شخصيا.. ولم يكن هذا الشخص إلا بوتفليقة.
أشهد أن الأخ عزالدين كان يقول لنا تعقيبا على جملة كان يرددها جماعة 19 جوان، وهي أننا نؤسس دولة لا تزول بزوال الرجال، كان يعقب على ذلك قائلا: “هذه الدولة سيزيلها رجالها”..
و”عشنا وشفنا” كيف صار هذا “النظام” بجميع مؤسساته، وهياكله، وقوانينه يخدم شخصا واحدا، تمكن أن “يسحر” بالأصفر الرنان وبعذب اللسان أكثر الجزائريين.. ولم يؤسس طيلة عشرين سنة دولة بأتم معنى الكلمة.
ولما أقعد المرض هذا الشخص، وجفّ ضرع البقرة الحلوب، وتوقف اللسان “الساحر” تبين للجزائريين المخدوعين بالنظام وبالشخص أنهم كانوا كمن حرث في البحر.. وهاهي الجزائر تستقبل “عيد استرجاع استقلالها” وهي تردد مع أحد مناضليها – محمد بوضياف- بلسان الحال والمقال جملة “ou va l’Algérie”.