منذ بضع سنين أرسل إليّ الدكتور محمد بن عبد الكريم (1924 – 2012) – رحمه الله – “قصيدة”، ومعها كلمة يخبرني فيها عن أحواله، ويستفسرني عن أحوالي.
لم تُثر تلك “القصيدة” في نفسي ما يثيره الشعر الحقيقي من “ذكرى وعاطفة”، وإنما هي “تقطيع وأوزان”.
والدكتور محمد بن عبد الكريم رغم علمه الغزير، وشعوره الفياض، وإحساسه المرهف، فإن “الصلة بينه وبين الشعر مبتوتة”، كما قال الإمام الإبراهيمي عن شخص سماه “شاعر عين التوتة” وما أكثر أمثال هذا “الشاعر” الآن في وطننا العربي، الذين لا تُوزن أشعارهم بميزان الشعر، ولكن توزن بـ ” الباسكولا” كما قال الشيخ بوبكر الأغواطي –رحمه الله- لقد بحثت بين أوراقي عن هذه “القصيدة” فأعياني البحث، وفتشت عنها في “ديوان” الدكتور بن عبد الكريم المسمى “كشف الستار” في طبعتيه فلم أجدها ضمنه، فأرجو ممن يملك هذه “القصيدة” أن يتفضل عليّ بنسخة منها..
ماشدّني إلى تلك “القصيدة”، ولفت نظري إليها إلا عنوانها الذي نُقش في ذاكرتي كما ينقش أي نص على صخرة صماء، وذلك العنوان هو “التّخنزر”.
و”التّخنزر” هو التخلق أو التطبع بطباع الخنزير(الحلوف) التي من أبرزها “الديوثة”، فالخنزير هو الوحيد من بين الحيوانات الذي لا يغار على أنثاه.. وهو كريه الرائحة وقبيح المنظر..
ومما أذكره أن فرنسيا كان يعمل في حديقة مسجد باريس اشترى قطعة من الحلوى لابني محمد الصديق ذي الأربع سنوات، وكانت تلك القطعة على شكل خنزير، فما رآها الطفل حتى إنهال على ذلك الفرنسي سبا وشتما.. واستغرب ذلك الفرنسي من سبب “الثورة الصديقية”، فلما أخبر بأنه يحتج على شكل الحلوى، اعتذر، وأكد أنه لم يتعمد ذلك، ثم ذهب واستبدلها.
أما ما ذكرني بهذا العنوان فهو ما قرأته في إحدى الجرائد من أن الجزائر التي يقول دستورها إن دينها هو الإسلام، وتوصف “بلد المليون ونصف مليون شهيد”، وأنها كانت “تصدّر فن الجهاد”…
هذه الجزائر الرسمية استوردت – حسب هذه الجريدة – في عهد “المخ” عمارة بن يونس، الذي لا يذكر الجزائريون من “أمجاده” إلا سبه لهم، ومحاولة إغراقهم بالخمور، استوردت في السداسي الأول من سنة 2014 ما قيمته 800.000 دولار من لحم الحلوف وكبده وشعره، وقد أخذت عملية الاستيراد هذه مسمى “تجارة الخنازيريات”.
ومن قبل هذا “التخنزر اللحمي” ذكرت الجريدة نفسها أن محافظ للتلاميذ على شكل خنزير انتشرت في بعض الأسواق.. كأن مستوردي (الحلوف) والمحافظ (الحلوفية) يريدون أن “يتديّث” الجزائريون..
والسؤال هو أين هي مصالح الدولة..؟
إنه لا يتخنزر الفعل أو القول إلا إذا تخنزر الفكر، ولا يتخنزر الفكر إلا إذا ابتعد صاحبه عن فطرة الله، وأعرض عن ذكر ربه، وهذا “التخنزر” هو ما نراه بأعيننا ونسمعه بآذاننا ونلمسه بأيدينا.