الحكمة: هي وضع الشيء المناسب في المكان المناسب، وتأتي بمعنى القرآن كقول ربنا تبارك تعالى: { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ} [البقرة 269].
وقيل: هي بمعنى الإصابة في القول والفعل.
لذا فالحكمة أنواعٌ وأشكال:
تقسوا فتكون وعداً ووعيداً، وترهيباً وتهديداً، بل قد تكون سيفاً مسلطاً، وألماً ممحقاً، ونكالاً مصعقاً.
وتلطف فتكون نظرة بعين، أو تعبيراً بجبين، أو إعراضاً بوجه.
أما حصرها في القول اللّين، وقصرها على الفعل الهيّن، فظلم مبين، وتكلّفٌ مهين، حجر لواسع، وتضييق لشاسع، لأنّ الحكمة أرحب من ذلك.
فمفهوم الحكم شامل ، يشمل الكلمة الخشنة كما الطيّبة، ضرب الرقاب كما التنازل عن العقاب.
وسيد الحكمة صلّى الله عليه وسلّم تعامل مع كلّ صنوف الحكمة وأنواعها، فرغّب ورهّب، عفى وعاقب، سالم وحارب، وأعطى ومنع، وعد وأوعد، ودعا بالخير كما الشرّ، قبّل وردّ، وهكذا.
أحكم وهو سيّد الحكماء الأحكام بحكمته، وأنزل كلّ أمر منزلته، مع حرصه الشّديد على تغليب اللّطف قبل العنف، لأنّ ربه أمره بالعرف، وبالإعراض عن الجاهلين.
وحرص على تغليب اليسر قبل العسر، والرّخاء على الشدّة.
والاستدلال على الحكمة وحصرها بالّلّطافة والنعومة بقول الله تعالى لسيدنا موسى وهرون على نبيّنا وعليهما السلام: { فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه44 ]، فمردود بقوله جلّ جلاله، وعظم سلطانه على لسان سيدنا موسى وهو يخاطب فرعون الكبر والبهتان، وهو يدّعى امتلاكه صفات المنان، { وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا } [الإسراء 102 ]، أي هالكاً وملعونا.
فالحكمة اقتضت اللين والشدّة، وهي تابعة للموقف، وأسيرة للحاجة، تتسع ما وسع الأمر وتضيق ما ضاق.
كان من الحكمة أن يدعو صلّى الله عليه وسلّم بالخير لقومه فيقول: ” اللّهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون” [البيهقي في شعب الإيمان]، لمّا أمّل فيهم خيراً، وقد كان الأمر كذلك.
وكان منها أيضاً دعاؤه بالشّر على رِعل وذكون وعصيّة لأنهم عصوا الله ورسوله، وقتلوا القراء، والحديث بتمامه في صحيح البخاري.
وكذلك فعل أخوه نوح على نبينا وعليه السلام مع قومه لمّا أيس من إيمانهم، وتيقن من كفرهم بربهم { وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح26-27 ].
كان من الحكمة أن تحصد رقاب المشركين في بدر كما قرّر القرآن، وكان منها العفو في مواقف أخرى، كما كان منها أن يبادل، وكان منها أيضاً أن يأخذ فدية بمقابل.
من الحكمة في الدّعوة في الله أن تذكّر النّاس بقول الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ}كما أنّ منها {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } [الأنعام 165].
من الحكمة في السياسة أن تحاور وتسايس، ومنها أيضاً أن تقاطع وتجهّز أشبالك الأشاوس.
وما الحكمة النّاعمة بفلسطين مع العدوّ الصّهيوني وآثارها المهينة عنكم ببعيد.
وهكذا في شتى صنوف الحياة وأمرها.
إذاً فالحكمة اسم جامعٌ لكلّ أمرٍ مناسب، وعملٌ موجّه لكلّ ما ينشده كل طالب، فالزم مفهوم الحكمة الإسلامي تسلم، ولا تحد عنه في دينك ودنياك فتندم.
جزاك الله كل خير شيخنا عمار وبارك فيك على هذه الإفادة الطيبة