“افتجأت” عندما أخبرني الأخ الدكتور عبد الرزاق قسوم، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أنها قررت تكريم الأستاذ الدكتور محمد صالح ناصر، وشخصي البسيط، يوم 26-7-2017 في قصر الثقافة، مفدي زكريا..
ولما أبديت تحفظي على هذا التكريم بالنسبة لشخصي، لما أرفضه من تكليفي جميعة العلماء دينارا واحدا تنفقه على أعضائها والمتعاطفين معها، أخبرني الأخ الدكتور بما جعلني أوافق على هذا الكريم على مضض، وهو أن التكريم من أشخاص لم يريدوا أن يظهروا،وتستروا خلف جمعية العلماء…
وأرجو أن يكون هؤلاء الأشخاص صادقين في دعواهم، ومنهم شاعر ما عرفنا عليه حتى الآن إلا الخير…
لا يجادل أحد في أحقية الأخ الدكتور محمد صالح ناصر بهذا التكريم، فهو أستاذ جامعي قدير، وهو مؤلف كبير، وهو شاعر، ولكنه ليس من الهائمين في الوديان، وليس من الذين يقولون ما لا يفعلون، وهو داعية إلى الله– عز وجل– بالحكمة والموعظة الحسنة، وهو من الناشرين لقيمة الإخوة الإسلامية، والوحدة الوطنية .
وأما “عبد ربه” فما أرى الإخوة الذين اقترحوا تكريمي، وجمعية العلماء إلا أنهم رأوني بعين الرضا، وهي عن كل عيب كليلة، وغضوا الطرف عن مساوئي التي سترها علي الكريم المنان، وأدعوه– سبحانه– أن يسترها علي، يوم لا تخفى خافية، ذلك اليوم الذي يراه الغافلون– وما أكثرهم– بعيدا، وهو أقرب إليهم من غدهم القريب.
لقد لبى الدعوة كثير من الإخوة الكرام والأخوات الفضليات الذين واللائي سمحت لهم ولهن الظروف بالحضور، خاصة الذين جاءوا من مسافات بعيدة… وقد ضاقت بهم وبهن– لكثرتهم وكثرتهن– قاعة المحاضرات على رحابتها، فلهم ولهن أجزل الشكر، وكريم العرفان من الأخ محمد ناصر، ومن شخصي البسيط…
عندما أجلت عيني في أطراف قاعة المحاضرات الفسيحة، ورأيتها مكتظة عن آخرها، حتى اضطر إخوة إلى الجلوس على الأرض تذكرت مقولة للإمام امحمد بن يوسف أطفيش “القطب”، قالها عندما زار مدينة القرارة، قادما من مدينة بني يزقن.
ورأى ما رأى من استقبال كبير وحفاوة بالغة، وهي: “ووني إوعزام خاط امحمد آن يوسف”، ومعناها باللسان ليعربي: “هذه الحفاوة كلها للعلم، لا لمحمد بن يوسف”.
لقد تداول على منصة الخطابة إخوة كرام، لم يقصدوا من إشادتهم بالأستاذين المكرمين شخصيهما، ولكن قصدوا معاني وقيما اجتهد الأخوان المكرمان في الالتزام بها، والدعوة إليها، ونشرها بين أبناء وطنهما، وليسمح لي أولئك الإخوة إن لم أذكر أسماءهم فهي منقوشة في سويداء قلبي… داعيا الله– عز وجل– أن يمن عليهم بكل خير، وأن يحفظهم وآلهم من كل سوء، مع “السفينة” الكبرى التي هي الجزائر.
أعجبني ما أشار إليه الأخ رئيس الجمعية الدكتور عبد الرزاق قسوم في كلمته من أن جمعية العلماء أرادت أن توجه عدة رسائل من خلال هذا التكريم، ومنها أن الجمعية لا تفرق بين أحد من صالح الجزائريين، فأحد المكرمين من الجنوب (القرارة)، والآخر من الشمال (جيجل)، وهي لا تفرق بين المذهبين الفقهيين اللذين يتمذهب بهما الجزائريون، والأخوان المكرمان محمد ناصر (الإباضي) ومحمد الهادي الحسني (المالكي) مثال للإخوة الإسلامية التي إن ضاقت بها بعض التعصبات الفقهية فلن تضيق بها رحابة الإسلام، ويكفي دليلا على هذه الإخوة ما يردده الدكتور محمد ناصر الحسني من أنه “أخي الذي لم تلده أمي”.
وآثر الأخ محمد صالح ناصر أن تكون كلمته شعرا، فألقى قصيدة بليغة المباني سامية المعاني، توجها بعنوان رائع هو: “بالحب سعادتنا،” لن تؤمنوا حتى تحابوا”، فحرك بها الشواعر، وأسال بها عبرات ذوي الإحساس المرهف، الذين تهزهم الكلمة الجميلة الصادقة هزا، وقد كذب بها مقولة “الكاذبين”: “أعذب الشعر أكذبه”، ومما جاء فيها:
“جمعية العلماء” أس أصالة *** وأخوة في الله، حضن محبة
رمز الجزائر، فخرها وضميرها *** فالعلم للأوطان أعظم منحة
لكن علما دون “حب الله” ذل *** قد تردى في مهاوي الظلمة
فالدين سر الحب من يظفر به *** يلبس – بعون الله – تاج الحكمة
الحب هو سعادتي طول الحيا *** ة، يمدني في شيبتي وشبيبتي
فمحبتي مسرى دمي، وعقيدتي ***وحليب أمي في العروق ومهجتي
ولم ينس التكريم الدكتور– هموم أمته، والمسجد الأقصى، منحيا باللائمة على من هم عار على العرب، لأنهم خانوا “باسم الدين” الله ورسوله والمؤمنين، واتخذوا اليهود والنصارى أولياء من دون المؤمنين، الذين اعتبروهم “إرهابيين”. فـ:
سقط القناع، فلا الحمية حركت *** سيف ابن شداد لحرمة عبلة
الله، يا زمن “التحالف والحصار” *** أكاد من بؤسي أموت بحسرتي
وعندما أحيلت إلي الكلمة استننت بالإمام ابن باديس عندما كرم عند ختمه تفسير القرآن الكريم فوزع كل التقدير على من لهم فضل عليه… وكذلك فعلت، ثم أنهيت كلمتي بالتوصية بالجمعية خيرا، لأنها هي “ضمير الجزائر”، هذه الجزائر التي يعتقد الإمام الإبراهيمي “أن في كل جزيرة قطعة من الحسن، وفيك الحسن جميعه، لذلك كن مفردات، وكنت جمعا، فإذا قالوا “الجزائر الخالدات” رجعنا فيك إلى توحيد الصفة وقلنا الجزائر الخالدة، وليس بمستغرب أن تجمع الجزائر في واحدة”.
فشكرا لجمعية العلماء، وشكرا للإخوة الذين شرفونا بحضورهم، وللإخوة الذين لم تسمح لهم ظروفهم بالحضور فاعتذروا.
بارك الله فيكم ونفع بكم. فهذه التفاتة حسنة من جمعية العلماء المسلمين للإشادة بأعلام الجزائر وبرسالتها النبيلة.