لم يسجل تاريخنا الثقافي علماء ينسبون إلى مدينة البليدة، وما ذلك إلا لأنها حديثة البناء نسبيا، أما قبل تأسيس البليدة فكان من ينبغ من علماء المنطقة ينسبون إلى مدينة الجزائر، أو إلى سهل متيجة.. فيقال.. فلان المتّيجي.
ومن العلماء الذين نسبوا إلى هذا السهل الخصيب، الذي قال فيه الحسن الوزاني بأنه ينتج “أحسن قمح في المغرب”، وكان يكنى بـ “أم الفقراء”، من العلماء الذين نسبوا إلى هذا السهل الشيخ عبد الله المتيجي (551-636 هـ/ 1156 – 1238م)، وقد استوطن مدينة الاسكندرية في مصر، وكان محترما، ومبجلا لمكانته العلمية لغة وفقها.
وقد ورث علمه ابنُه ضياء الدين محمد بن عبد الله المتيجي، الذي يجهل تاريخ ميلاده، ولكننا نعلم أنه توفاه الله في سنة 659 هـ/1261م، وقد وصف بأنه “عالم من الطبقة الأولى”.
وكذلك أبو العباس أحمد بن محمد المتيجي، الذي توفاه الله في مدينة رشيد في حوالي 872 هـ/ 1467م، وعاش متنقلا بين الاسكندرية والقاهرة، ومكة، وكان ضليعا في علم التفسير والقراءات.
وحديثا نشرت مؤسسة الإمام ابن باديس بقسنطينة كتابا لأحد علماء متيجة من القرن الخامس الهجري عن “دلائل القبلة”، وهو أبو علي المتيجي.
أما العالم الذي نسلط عليه بعض الضوء فهو محمد بن محمد البليدي “الإمام الفقيه، المحدث”، كما وصفه عبد الرحمن الجبرتي في كتابه “عجائب الآثار في التراجم والأخبار”.
ووصفه محمد خليل المرادي في كتابه “سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر”، فقال: “خاتمة المحققين، صدر المدققين، الثبت، الحجة، المتقن، المتفق على جلالته، صاحب التصانيف الشهيرة”.
وعلى نفس الوتيرة قال صاحب “شجرة النور الزكية” في هذا العالم البليدي: “شيخ الشيوخ وعمدة أهل التحقيق والرسوخ، الفقيه المحدث، المتفنن في كثير من العلوم”.
ولد محمد بن محمد البليدي في مدينة البليدة، وإليها نسب، في سنة (1096 هـ/ 1684م)، فحفظ كتاب الله، وأخذ مبادئ علوم عصره.
وتاقت نفسه إلى الاستزادة من العلم، فخرج طالبا للعلم، فدخل القاهرة وعمره أربعة عشر عاما.
وقد ذكر كل من الجبرتي والمراجي أن الشيخ محمد البليدي حضر دروس كثير من العلماء حتى “تمهّر”، أي صار ماهرا، فسعى إليه الطلاب، و”انتفع به جماعة من محققي علماء الأزهر” كما يقول المرادي، “وعظمت حلقته” كما يقول الجبرتي، وذكر أنه كان يحضر درسه “أكثر من مائتي مدرس” فضلا عن الطلبة.
ومن أشهر تلاميذ الشيخ محمد البليدي كل من الصعيدي، والسردي، ومرتضى الزبيدي، والبناني.. وحسبك هؤلاء مكانة وشهرة.
وذكر الجبرتي أنه كان يدرس في الأزهر ومسجد الحسين الصحيحين، والموطأ، والشفا والشمائل، من حفظه، كما كان له اليد الطولى في علم القراءات.
ترك الشيخ محمد البليدي عدة آثار منها:
حاشية على تفسير البيضاوي، وأخرى على شرح الألفية للأشموني، ومؤلّف في القراءات.
ولم يطبع من آثاره إلا رسالة في المنطق تحت عنوان “المقولات العشر” وطبعت محققة مرتين في كل من المغرب ولبنان. ولقيمة هذه الرسالة فقد درّسها العلامة الياجوري – شيخ الأزهر- أربعين سنة.
وكان زيادة عما حباه الله من علم إنسانيا، فقد كان مقصد أبناء المغرب العربي في القاهرة مقيمين وظاعنين.
وقد توفاه الله في القاهرة في 29 رمضان من عام 1176 هـ.
سلام عليكم