إنّ الأمّة التي تقَدِّم مصالح دنياها على مصالح دينها وتعتبر مصيبتها في دنياها أعظمَ من مصيبتها في دينها ،لأُمّة لا تستحق الحياة، ونعوذ بالله أن يدركنا ذلك.
قال تعالى: ( قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ )(التوبة24).
والكساد: عدم النَفاق لفوات وقت بيعها ونحو ذلك.
وسبب نزول الآية، أنّ الله تعالى لمّا أمر المؤمنين بالبراءة من الكافرين، قالت جماعة منهم: يا رسول الله، كيف يمكن البراءة منهم بالكلية؟ وأنّ هذه البراءة توجب انقطاعنا عن آبائنا وإخواننا وعشيرتنا وذهاب تجارتنا وهلاك أموالنا وخراب ديارنا!
فبيّن تعالى أنّه يجب تحمل هذه المضارّ الدنيوية ليبقى الدِين سليما، وذكر أنّه إن كانت رعايةُ هذه المصالح الدنيوية عندكم أولى من طاعة الله ورسوله ومِن المجاهدة في سبيل الله، فانتظروا حتى يأتي الله بأمره، أي: بعقوبة عاجلة أو آجلة، والمقصود منه: الوعيدُ، كما ذكر الفخرالرازي.
ثم ذكر التهديد الثاني بقوله: ( وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، أي: الخارجين عن طاعته إلى معصيته.
ومَن حُرِم الهداية فقد حُرِم كلّ شيء.
وقد دلت هذه الآية -كما قال الفخر الرازي- على أنّه إذا وقع التعارض بين مصلحة واحدة من مصالح الدِين وبين جميع مُهِمّات الدنيا، وجب على المسلم ترجيح الدين على الدنيا [مفاتيح الغيب 16/17].
وقد هالني اليوم ما رأيته بأمّ عيني مِن اكتظاظ المحلات بالزبائن وتلاصقهم فيما بينهم، وأُشهِد اللهَ على صِدق ما أقول.
ولقد هممت بتوثيق ما رأيت بالتقاط صور ثم تذكرت حقوق الناس في ألاّ تلتقط صورهم إلا بإذنهم فعدلت عن ذلك.
أيها المسؤولون، قال ربنا وربكم (مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(القلم36).؟
تسارعون في فتح الأسواق وتُأََخِّرون فتح بيوت الخلاّق الرّزّاق؟ فأضعف الإيمان أن تسوُّوا بين دنياكم وأخراكم، وأعلى درجاته أن تُقدِّموا مصالح دينكم على مصالح دنياكم لوكنتم تعقلون.
أيها العلماء، أنتم أمناء الرسول على عباد الله كما ورد عن نبيِّكم صلّى الله عليه وسلم، فبرئوا الذِّمّة وأدُّوا الأمانة قبل أن تُسْألوا عنها يوم القيامة.
وأما أنتم أيها المؤمنون، فعندما تُصبح مصيبتُنا في ديننا أعظمَ من مصيبتنا في دنيانا عندها تفتح مساجدنا بفضل ربنا ونستحق الحياة.
فاللهم لاتجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا مَن لايخافك ولا يرحمنا.