الرئيسية / المشرف العام / المقالات / الصحة النفسية في القرآن – عمار رقبة الشرفي

الصحة النفسية في القرآن – عمار رقبة الشرفي

Print Friendly, PDF & Email

إن النفس التي امتثلت لأوامر الله واجتناب نواهيه لا يؤثر فيها أي اضطراب نفسي مهما كان، لأنها تحيا حياتها على يقين تام بالله، فهي متوافقة مع نفسها والمجتمع الذي تحيا فيه فتحصّل بذلك الاستقرار النفسي: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام 162].

وتزكية النفس ومحاولة علاجها وتوجهها نحو النهج السليم يؤدي إلى تحقيق الراحة النفسية والطمأنينة القلبية، وبالتالي تكون سلوكياتها التي تصدر عنها سليمة صحيحة وليس بها شذوذ أو خلل لأنها وفق توجيه الله:( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [ الملك 14].

ولما كان اليأس محتلاً مرتبة متقدمة في هذه الأمراض النفسية الفتاكة حذرنا ربنا منه فقال:(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُور)[هود 09].

وجعل بوابة الوقاية والشفاء الأمل بالله وبما عنده فقال جل جلاله: (وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)[يوسف: 87].

وفتح باب الأمل على مصراعيه للعائدين إلى رحابه فقال:(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله)[ الزمر 53].

ولأهمية الصحة النفسية خصها القرآن الكريم بتوجيهات متنوعة متعددة مراعياً خصائصها، فنوع لها العلاج، وأرسى على رأس ذلك ذكر الله تبارك وتعالى إذ به تسجير النفس بربها، فيطئن قلبها، وتسكن روحها :(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ  أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[ الرعد 28].

يطمئن القلب قيقود صاحبه إلى العمل الصالح الذي يحيا به حياة طيبة كفلها له ربه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[ النحل 97].

حياة طيبة لأن المعاصي شؤم على النفس لما تخلفه من اضطرابات ووساوس يركبها شياطين الإنس والجان:(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)[ طه124].

معيشة ضنكة لأنها نفس بعيدة عن الله، ولا تشعر براحة قربه وتفويض الأمر إليه، وحسن التوكل عليه:(قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة 51].

ولما كان الإنسان مبتلى في هذه الحياة: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [ الملك 02].

ومبتلى بقفد العزيز ونقص في النفس والمال وغير ذلك (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ) [ البقرة 05]، وجهه القرآن للصبر وبشره: ( وبشر الصابرين) [ البقرة 05].

وكفل بعد ذلك رزقه ليرتاح فكره، وتصح نفسه: ( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات 22-23].

وجعل صلة بالعبد بربه مباشرة ليتقين من الرعاية ويضمن الوصال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر60]، وأكد قربه لعبده ليطمئن قلبه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [البقرة186].

وجعل سبحانه القرآن الكريم شفاءَ مادياً ومعنوياً ورحمة لعباده الموقنين: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء 82].

بهذا وبغيره كفل القرآن الكريم للإنسان نفسية سليمة تتوكل على الله، وتطرق بابه، يحذوها أمل به، وثقة بما عنده، وتعلم أنها في عنايته ورعايته فيطمئن بذلك القلب وترتاح النفس وتصح.

عن عمار رقبة الشرفي

- مجاز في القراءات العشر المتواترة من طريق الشاطبية والدرة. - مجاز في الكتب التسعة بالسند المتصل وبعدد من كتب الحديث الشريف. - شهادة تخرّج في العلوم الشّرعية والعربية من معهد بدرالدّين الحسني بدمشق. - شهادة الدّورة التّأهيليّة للدّعاة. - إجازة تخرج (ليسانس) من معهد الدّعوة الجامعي (فرع دمشق) في الدراسات الإسلاميّة والعربيّة. - ديبلوم ماجيستير في الفقه المقارن (تحقيق جزء من كتاب عيون الأدلّة - للقاضي أبي الحسن علي بن أحمد المالكي البغدادي المعروف بابن القصار (ت :398هـ - 1008م- قسم المعاملات. - مؤسس ومدير معهد اقرأ للقرآن وعلومه، باب الزوار- الجزائر العاصمة http://iqraadz.com/ - المؤسس والمشرف العام على موقع المكتبة الجزائرية الشّاملة http://www.shamela-dz.net/

شاهد أيضاً

رجال صَدَقُوا اللهَ فَصَدَقَهُم – أ.د محمد بوركاب

العلماء ورثة الأنبياء، ومصيبة فقدهم تعدل مصيبة فقد الأنبياء أو تدانيها، وقد رحل عنّا سيدي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *