عبّر البيان القرآني عن الدّيكتاتورية أبلغ تعبير ، ووصفها أحسن وصف ، وذلك في قوله تعالى حكاية على لسان فرعون : [ما أريكم إلّا ما أرى ، وما أهديكم إلّا سبيل الرّشاد] [غافر:29].
فالديكتاتورية كما عبّر عنها الطّاغية فرعون هي ألّا نظر و لا رؤية للحياة خيرِها وشرّها إلّا بمنظاره ، وأن السّبيل الوحيد للرّشاد سبيله ، فالخير كلّ الخير في اتباعه ، والشّر كل الشّر في مخالفته وعصيانه ، ومن رأى غير ما يرى “الفرعون ” فهو ليس إلّا زارعاً في الأرض الفساد!!.
هذا عن ديكتاتورية الحكّام التي نشجبها، ونندّد بها ، بل ونسعى إلى اقتلاعها من جذورها ، فماذا عن الدّيكتاتورية في حياتنا ؟!.
وماذا عنها في بيوتنا ومدارسنا ؟ ، وماذا عنها في شتّى مجالات حياتنا ؟، ألسنا ديكتاتوريين ، أو على الأقلّ أكثرنا!!.
وفيما اختلفت ديكتاتوريّة الحاكم عن ديكتاتوريتنا ، اللّهم إلّا في اختلاف في المسمّيات والتفاوت في القدرات والإمكانات ، وإلّا كنّا معه في خندق واحد.
من منّا لا يعرف وزيراً قابعاً في منصبه من عشرات السّنوات ؟! .
من منّا لا يعرف عالماً أو أديباً أو شاعراً، أو كاتباً ، أو مثقّفاً منخرطاً ، بل ومترئساً لعدد قد يبلغ العشر من المؤسّسات والجمعيّات ، خلال عشر من السّنوات ؟!.
من منّا لا يعرف العالم الفلانيّ الذي يترأس الهيئة العلمائيّة وأختها من عشرات السّنوات ؟!.
من منّا لا يعرف زعيم الحزب الإسلامي الفلانيّ الذي لا يقبل إلّا أن يكون علماً على رأس الحزب ، و لوجاوز الثّمانين، وتجاوزت السنين أفكاره ؟!.
من منّا من لم يُمارس عليه ، أو يرى قهر المدرّسيين وجبروتهم ، واعتدادهم برأيهم ، بل ومخاصمتهم وحقدهم على من يناقشهم ، فضلاّ عمّن يردّ عليهم من المتمدرسين ؟!.
من منّا من لم ير ذاك الأخ المتسلّط على إخوته وأخواته الصّغار، بل عاقّاً لأمّه أيضا ؟!.
من منّا من لم ير، أو يكن هو ذاك الزّوج الدّيكتاتوريّ على زوجته وأولاده الأغرار؟!.
من منّا من لم ير ويشاهد من هذه المظاهر الدّيكتاتوريّة الشيء الكثير؟!.
من منّا من لم ير، ويرى و يرى ؟!.
لقد رأيت من مدرّسينا من كان يشتم الطّالب لأنّه ارتكب جُرم عدم فهم ما يقوله المدرّس من درر لا يفهمها إلّا هو وحده!.
ورأيت منهم من وصف بأقبح الصّفات طالباً لأنّه تطاول وسأل الأستاذ عمّا لا يعلم !.
أو ليست هذه الدّيكتاتوريّة البغيضة في أبهى صورها ؟!.
ليست الدّيكتاتوريّة أمراً خاصّاً بالحكّام فحسب ، بل هي صفة مرضيّة يمكن أن يصاب بها أيُّ فرد بغضّ النّظر عن قيمته ومستواه.
إنّها جرثومة خبيثة يستعين بها الأشخاص المرضى المصابون بعقد النّقص ، ليظهروا بمظاهر الكمال ، ويلبسونها اعتقاداً منهم بأنّها تضفي عليهم هيئة الإجلال !.
وأنّى لهم ذلك.
الدّيكتاتوريّة البغيضة هي الاستبداد بالرّأي ، ونسف الآخر، كان الأمر من المواطن العاديّ ، أم من الوزير، أم الحاكم.
الدّيكتاتوريّة البغيضة توريث ما في اليد من غير وجه حق لمن لا يستحقُّ ، سواءٌ كان الأمر المورّث منصباً علمياً ، أم مكانة ، أم كرسيّاً ، أم حرفة، أم غير ذلك.
الدّيكتاتوريّة البغيضة هي الاستبداد والظلم بشتّى صوره وألوانه وأنواعه ، المادّيّة كانت، أم المعنويّة ، من شخصٍ ، أم من عشر، أم من أمّة بأجمعها.
الدّيكتاتوريّة البغيضة هي سلب النّاس حقوقهم ، بداية من حقّهم في التّفكير، إلى حقهم في التّعبير، مروراً بعيشهم الكريم ، وصولاً إلى منعهم من حياة العزّة والكرامة والعدالة.
الدّيكتاتوريّة البغيضة هي الدّيكتاتوريّة البغيضة ، المرض المزمن الفتّاك بالأمم والأفراد ، والوباء المتفشّي تحت ألوان مختلفة ، وصور متنوعة ، تكبر متمثَّلة في سلطان مستبدٍ جائر، وتصغر فتكون في ولدك الصّغير تنهره عن الكلام في بيتك ، وتسفّه قوله ، وتقرّ قولك ، لا لشيء إلّا لأنّك قويٌ وهو ضعيف.
الدّيكتاتوريّة البغيضة هي وأد الطّاقات ، وتحجيم القدرات ، وحصرها في دائرة ضيّقة ، تمجّد الأشخاص ، وتؤله البشر، كان الأمر من الحاكم ، أم ممّن هو دونه.
الدّيكتاتوريّة عنوان محاربة الفكر، وسجن الحرّيّة ، وعدوّ العدالة ، رمز التّخلّف والاستبداد ، وعلَمُ تقديس العباد للعباد ، بدل السياحة في فلك حرّيّة رب العباد.
الدّيكتاتوريّة مرضٌ لا علاج له إلّا الاستئصال ، ولا حلّ وسط معه إلّا الزوال ، فتدارك نفسك أيّها الدّكتاتوري الصّغير أو الكبير قبل أن تُلغى ، واعتبر بغيرك إن كنت سعيداً ، وتب من ديكتاتوريتك خير لك من أن تصبح صباحاً يفضح فيه أمرك ، وينكسر فيه ما اصطنعته لنفسك من مهابة مكذوبة ، وما ادّعيته لها من كمال زائف.
واعلم أنّك عقلٌ من جملة عقول ، وفردٌ في مسرح هذه الحياة ، فالزم حدك ، ولا تتجاوز دورك ، فيضيع عندها أمرك ، ويتشتّت فكرك ، وتكون عاقبتك وبالاً كما حصل مع من كان قبلك ، من الدّكتاتوريين الصّغار والكبار.
لا ادري ماذا اقول سيدي لقد شرحت المخفي كل وضوع ولم تترك زاوية فضحت فيه الدكتاتورية والدكتاتوريين لقد اصبت في كل صورة رسمته لاانواع الدتاتورييت فشكرا
ZOULIKHA