كان كل همه الاهتمام بأغنامه و رعاية أسرته.
كان راعي غنم له عدة شويهات هي ثروته، كان من حين لآخر يبيع الحطب الذي يقوم بجمعه من هنا و هناك في السوق ليشتري بثمنه الطعام و الشراب و اللباس لأولاده.
كانت حياته بسيطة ككل الجزائريين الذين ضيقت عليهم فرنسا و انهكت كاهلهم بالضرائب التي يدفعونها كل مدة.
لم يفكر في مقاومة هذا الظلم، و لم يفكر التمرد على المستعمر الفرنسي الغاشم و أعوانه.
في يوم من أيام سنة 1871 و بينما كان جالسا بين أهله و إذا بشخص يطرق الباب طرقا قويا، و عندما فتح بوزيان القليعي الباب وجده أحد أعوان القايد يطالبه بدفع الضريبة بأسلوب فيه مهانة و احتقار أمام أفراد عائلته.
لم يتحمل بوزيان هذا التصرف الوقح من هذا الحركي الجبان فانهال عليه ضربا، و عندما هدده بأن يشكوه و يبلغ عنه قام بوزيان بتجريد هذا الخائن من ملابسه إلا ما ستر عورته بعد أن أوسعه ضربا و طاف به القرية ليراه الجميع.
لأن هذا الحركي كان يثير الخوف في نفوس أهل القرية و يتطاول عليهم دوما و يهددهم بالإبلاغ عنهم إن هم تأخروا في دفع الضرائب المستحقة عليهم.
فما كان من بوزيان إلا أن يمرغ أنفه في التراب و أن يهينه أمام أهل القرية حتى تسقط هيبته من أعينهم.
كان يعلم أن هذا الأمر لن يتم تجاوزه و أن القايد و أعوانه و جنود فرنسا سيبحثون عنه و يلقون عليه القبض و سينكلون به.
فودع أهل بيته و صعد الجبل.
و من هنا بدأت مقاومته التي استمرت 13 سنة.
فتحول الحطاب راعي الغنم إلى مقاوم شرس لقوات الاحتلال يحسب له ألف حساب.
اتخذ من الجبل مقرا له و كان ينزل في الليل هو و المقاومين الذين معه و يدخلون مزارع المعمرين الفرنسيين و الأجانب و التي هي في الأصل كانت أراض للجزائريين و يأخذون منها الغلال و الطعام و العسل و الحيوانات و غيرها ثم يحرقون الباقي و يتركون المزرعة كلها بما فيها و ألسنة اللهب تتصاعد منها.
حتى لا يعود لها المعمرون مرة أخرى.
كانوا يوزعون ما أخذوه و غنموه على المواطنين خفية، فما يأخذه باليد اليمنى من المعمرين يوزعه باليد اليسرى على المواطنين و يترك الباقي له و لمن معه من المقاومين.
بدأت مقاومته في الانتشار بين الشباب و جند الكثير منهم، و تحمسوا للدفاع عن أرضهم و إخراج قوات الاحتلال منها.
إستمرت مقاومة بوزيان القليعي مدة 13 سنة أرهق فيها جنود الاحتلال و أراهم الويلات حتى صار اسمه بعبعاً لهم يخيفهم في حركاتهم و في سكناتهم.
كانت أعماله البطولية تزعج المعمرين و قوات الجيش الفرنسي حتى وصل خبر مقاومته إلى وزير الحربية الفرنسي، فأرسل جيشا من العساكر للقضاء على ثورة الثائر بوزيان.
و جند مجموعة من الخونة و الحركى لتتبع حركاته و تحركاته من أجل القبض عليه.
و كما قيل الأبطال لا يسقطون إلا بالخيانة
في 17 رمضان سنة 1292 هجرية الموافق 16 اكتوبر 1884 راقبه أحد الحركى الموالين لفرنسا و وشى به لقوات الاحتلال الفرنسي، فتم القبض عليه هو ورفاقه وتم إعدامهم بقطع الرأس الشريفة بالمقصلة في نفس اليوم دون محاكمة.
احتفظت فرنسا بجمجمته بمتحف الانسان في باريس، بوزيان القلعي توفي و هو في عمر 39 سنة و شاء الله أن تعود جمجمته الطاهرة إلى أرض الوطن بعد غربة طويلة.
رحم الله الشهداء الأبرار و أسكنهم فسيح جناته.