الرئيسية / مقالات و دراسات / مقالات جزائرية / المتدين في الجزائر… ومقاربة الحراك الشعبي… أ.محمد حميطوش

المتدين في الجزائر… ومقاربة الحراك الشعبي… أ.محمد حميطوش

Print Friendly, PDF & Email

الجزائر مثلها مثل بقية سياقها الشعوب العربية والمسلمة يعمل فيها الدين ومفاهيمه أثره البالغ في تشكيل الوعي الجمعي فضلا عن الضمير الفردي

ومنذ انطلاقة الحراك المبارك في البلد انعكست تحدياته واستحقاقاته على فئات وشرائح واسعة داخل المجتمع الجزائري وليست فئة أهل الديانة ببعيدة عن تلك الاستحقاقات التي سترسم صورة علاقة الدين والمتدين عموما بالعمل العام والنشاط السياسي الخاص في قابل الأيام فضلا عن رسمها مفاهيم جديدة للتصور الديني فيما يتعلق بهذا المجال المهم في  الوطن.

وهنا لابد من استصحاب الحالة العامة التي  تشترك فيها الجزائر مع بقية الشعوب العربية أضف تلك الخصوصية التي تنفرد بها الجزائر كحالة بين الدول العربية والمسلمة .

1/ الثاني والعشرين فيفري ما قبل و ما بعد :

لابد و للقارئ الكريم من العودة إلى ما قبل هذا التاريخ بالضبط  لفهم  الشعور العام الذي كان يحكم المجتمع عموما وأهل الديانة خصوصا،  وهو شعور كانت تحكمه نتائج  الثورات المضادة في العالم العربي وليس فقط المثال السوري وان كان المثل السوري أشد الأمثلة قسوة ولأن الخطاب العام في المساجد والفضاء التواصلي  و الإعلامي  في تلك الفترة كان يركز على تلك المخرجات المأساوية فقد تراجعت فكرة النضال والمطالبة بالحقوق عموما عند أهل الديانة فضلا عن أفراد بقية المجتمع في الجزائر لتبقى محصورة بعدها في مناقشة داخل الفضاء التواصلي حول تلك المسائل الشرعية السياسية  الكلاسيكية لمدرسة أهل السنة والجماعة، أضف إلى أن تلك المرحلة شهدت طغيان تيارين إسلاميين يظهر عليهما التناقض في الأحكام الفقهية وبعض مسائل العقائد. 

لكن في الحقل السياسي يلتزمان بالمشهور من المدونة الفقهية بما يتوافق مع رغبة السلطة الحاكمة في تلك الفترة  و هكذا الحال في غالب الدول العربية التي شهدت حراكا اجتماعيا من مطلع 2011 م يناضل من أجل الحقوق والحريات .

لكن المفارقة ظهرت بعد انطلاق المسيرات التي طبعتها السلمية العالية واحتواء السلطة في تلك الفترة بحيث لم تقع أية ضحية نتيجة الاحتكاك المباشر بين السلطة الأمنية وجموع العشب المحتج على غرار جميع الأمثلة العربية الأخرى وفي حالة فريدة من نوعها جدا من زمن الربيع العربي وإلى اليوم دون مبالغة،  هذا النموذج الفريد  شكل صدمة للتيار المتصدي للخطاب الديني في تلك الفترة وبعدها حيث سقطت ورقة التوت الفقهية  التي طالما سوقها هذا الخطاب لجموع الشعب.

وشكل هذا النموذج الانقلاب الفكري الحقيقي لدى هذه الفئات من المجتمع بحيث لم تصبح خطابات التخويف والترهيب ذات جدوى خصوصا وقد صرح أحد أركان المنظومة السياسية  السابقة أن خطاب هذه التيارات يخدم مصلحة السلطة مما جعل تلك العلاقة بين السياسي والديني أكثر وضوحا ولم تعد القضية قضية مجرد قناعة فقهية وانتهى، بل  قضية مبادئ بحيث أضحت صورة هذا الخطاب تشكل صورة الخطاب المتواطئ مع السلطة الفاسدة بل لقد فتح هذا الأنموذج الجزائري  الباب لبعض معتنقي ذلك الخطاب أنفسهم  لمراجعة  تلك الأفكار ومدى انسجامها مع الواقع المعاش وهذا الوعي الجديد يتشكل بالتدرج  ولو لم يتراكم  للحد المطلوب إلى اليوم .

لقد شكلت لحظة الثاني والعشرين فيفري لحظة انقلاب المفاهيم المغلوطة عند فئة المتدينين  وتوضح خيط سواد  الانبطاح والذل وقبول الفساد وغياب فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  من بياض الحكمة والتعقل وعدم الانزلاق نحو العنف وهذا فعلا ما حصل ويحصل ولله الحمد.

2/ الحراك والمتدين و الجماعة :

الخريطة الوعي الإسلامي في الجزائر ليست على نسق واحد ولها تاريخ طويل جدا يرجع لما بعد الاستقلال الوطني وما قبله وليس فقط لفترة ما قبل الحراك .

ومن الخطأ التفكير أن جميع العناصر التي دخلت هذا الحراك الشعبي من الفئات الإسلامية على قلب واحد فيما يتعلق بالتصورات داخل المنظومة الإسلامية نفسها فضلا عن السياق المحلي أو الدولي ,  وهنا لو قدر الله لهذا الشعب نجاح يقظته وتمكن الهبة الشعبية من كسب المزيد من الاستحقاقات سيكون على الفئات الإسلامية المختلفة وعلى تلك الأفراد أن تغلب منطق المجتمع على منطق الجماعة وأن تعلم نفسها وأفرادها عمليا الانفتاح ومحاكاة  رغبة الغالبية  من الجزائريين بدل فرض منطقها عن طريق ركوب الموجة أو تحوير وتحويل تلك المطالب الفئوية الى مطالب شعبية كما حصل في عدة نماذج عربية سابقة .

لابد للمتدين أيضا أن يعي تمام الوعي أنه جزء من كل وأن الحراك ليس ملكا له ولا لجماعته لأنه وببساطة لم يصنعه ولم يخطط له وانما شارك فيه تحت عنوان المواطن الجزائري لا تحت عناوين الجماعات والأفكار التي يقاربها ويعتنق فكرها وعليه لابد من أن يبقى هذا المنطق هو السائد خصوصا وفي مراحل لاحقة حيث يحضر الاستقطاب السياسي و الأدلجي و يتقوقع كل فرد متدين داخل قوقعة جماعته وهنا ينتهي منطق الحراك ومصلحة الوطن لتنطلق مصلحة الجماعة وينتهي الخطاب الشعبي لينطلق خطاب الفئوي والمحيط الديني ليس سوى نسخة مصغرة  لما سيحصل في  المجتمع بعدها .

3/ الفكرة الاسلامية والوطنية والحالة الجزائرية :

تتميز البيئة المحلية الجزائرية بخاصية وهي وجود الفئة الوطنية التي تنتمي تاريخيا لميراث الثورة التحريرية المباركة ,تلك الفئة تملك الاستعداد النفسي والثقافي للتعاطي مع الحالة الدينية للمجتمع الجزائري بمقاربات جديدة بعيدة عن تلك المقاربة المرتبطة بنزعة الفرنسة الثقافية ورغم أن هذا التوجه لايزال لم يتبلور بعد بالشكل الكافي لكن يمكن النسج على منواله .

وفي اطاره وهذا العمل يحتاج لنخبة إسلامي متنورة واعية ذات ارتباط بالأرض لا تتبع الوافد من الخارج حتى ولو كان فكرا اسلاميا أصيلا لأنه بمثابة البذر الذي لا يلائم الأرض التي تبذر فيه حتى ولو كان ذلك البذر من النوع الرفيع فهكذا ينبغي أن يكون الفكر الإسلامي الجزائري بعد اليوم بحيث ينتج متدينا جزائريا لا تحصل عنده تلك المفاصلة النفسية بين طبيعة ثقافته الاسلامية وبين وطنيته كجزائري ومادمت البيئة المحلية يمكنها أن تفرز هذا النمط من التدين فليكن بشرط أن لا ينبت عن سياقه العربي والمسلم .

الجزائر مقبلة في القريب العاجل على نمط جديد من التنظيم السياسي والاجتماعي وقد ظهرت بوادر هذا في الحراك وبعده وهناك وعي جديد يتشكل وقيم جديدة يغرسها المجتمع وينمط بها نفسه تدريجيا وفئة المتدينين لابد وأن لا تنئ بنفسها عن هذا الحراك أم على مستوى النظر أو على مستوى التدبير .

عن عمار رقبة الشرفي

- مجاز في القراءات العشر المتواترة من طريق الشاطبية والدرة. - مجاز في الكتب التسعة بالسند المتصل وبعدد من كتب الحديث الشريف. - شهادة تخرّج في العلوم الشّرعية والعربية من معهد بدرالدّين الحسني بدمشق. - شهادة الدّورة التّأهيليّة للدّعاة. - إجازة تخرج (ليسانس) من معهد الدّعوة الجامعي (فرع دمشق) في الدراسات الإسلاميّة والعربيّة. - ديبلوم ماجيستير في الفقه المقارن (تحقيق جزء من كتاب عيون الأدلّة - للقاضي أبي الحسن علي بن أحمد المالكي البغدادي المعروف بابن القصار (ت :398هـ - 1008م- قسم المعاملات. - مؤسس ومدير معهد اقرأ للقرآن وعلومه، باب الزوار- الجزائر العاصمة http://iqraadz.com/ - المؤسس والمشرف العام على موقع المكتبة الجزائرية الشّاملة http://www.shamela-dz.net/

شاهد أيضاً

الشيخ العثماني في ذمة الله تعالى – الأستاذ محمد الهادي الحسني

“كل شيء هالك إلا وجهه”، “ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام”، ذلك قضاء من له …

تعليق واحد

  1. السلام عليكم
    رغم أنه لم يسعفني الإطلاع على المقال إلا مؤخرا ، لكن اسمح لي سيدي أن أشاركك رأي
    بداية أشكركم على الطرح الموضوعي والمنطقي لواقع نراه يوميا ، ثم على حد قول أستاذ مالك بني نبي: …..فإذا تحرك الإنسان تحرك المجتمع والتاريخ، وإذا سكن ، سكن المجتمع والتاريخ…) من رأي يمكن إسقاط كلمة الأستاذ على بعض المتدينين في وطننا في الوقت الحاضر خاصة أولئك الرافضين للحراك الوطني الشعبي والهبة الشعبية واليقظة الفكرية التي أثمرها الحراك المبارك وسيثمر بإذن الله خيرا وفضائل في المستقبل …
    أشكركم على هذا المقال المفيد
    السلام عليكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *