يعمد الكثير من مستخدمي شبكات التواصل إلى جعل هذه الشبكات وسيلة من وسائل اللهو والترفيه وتفريج الهموم…
بيد أن الأمر تطور، فصارت لدى بعضهم مدخلا من مداخل الشيطان للوقوع في المعصية بطريقة جديدة لم تُعهد عند الآباء والأجداد…
فمجتمع الآباء والأجداد كانت تنتشر فيه الغيبة والنميمة والكذب والبهتان و القذف، ولكن على الأقل كان قائلُها معروفا، وما دام معروفا فإنه يتكلم بما رأت عيناه وسمعت أذناه فقط بكل تحفظ وحذرٍ، إما خوفا من خصمه ، أو من الناس حتى لا يتهموه بالإفراط ، وكان مستمعوها – آنذاك- أهل الحي أو القرية على أكثر تقدير.
وفي أيامنا هذه، وفي خضم هذا التقدم التكنولوجي الهائل وتقنيات الاتصال المتطورة سلكت الغيبة والنميمة طرقا إلكترونية بشعة متطورة غير معهودة سلفا،
فأضحت وسيلة للثأر المفرط، والبهتان، وتلفيق التهم، والتهجم… وأحيانا تلبس لباسا براقا صُنع من جلد النصيحة والشفقة… قائلُها غيرُ معروفٍ غالبا؛
وبالتالي يتكلم بما شاء سواء رأت عيناه أم لا، وسواء سمعت أذناه أم لا. والمستمعون لها عددهم غير متناهي؛ منهم من يعرف المتكلَّم فيه ومنهم من لا يعرفه، ومنهم من يهمه أمره ومنهم من لا يهمه.
ولعلّ إثم هذه الأخيرة يكون أعظم من تلك البدائية
التي كانت عند الأجداد؛
لأن الإثم كما أنه يعظم بحرمة الزمان والمكان فإنه يعظم بكثرة مفاسده.
وليعلم الإنسان أنه من هذه الدنيا راحل إلى دار أخرى يحاسب فيها على دقيق العمل وجليله، ويكشف فيها كل مستور، وتشهد الألسنة والأيدي بما اقترفت،
وعند ذلك يقع الندم ، ولاتَ حين مَندَم ، و في الحديث: ﴿ يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيء من الجوارح فيقول يا رب عذبتني بعذاب لم تعذب به شيء من الجوارح ، فيقال له خرجت منك الكلمة فبلغت مشارق الأرض ومغاربها فسفك بها الدم الحرام وانتهك به العرض الحرام و انتهب بها المال الحرام ، وعزتي وجلالي لأعذبنك بعذاب لا أعذب به أحدا من الجوارح ﴾ (رواه أبونعيم)…
بعدها قصاص عادل، يفني الحسنات، ويضاعف السيئات،
عند ذلك يدرك هؤلاء حقيقة المفلس…وإن غدا لناظره لقريب.